النوم بين الجثث وحكاية المبنى الأخير في سوق الحوت
218TV.NET خاص
محمد حديد
تتداول الأيام وتتبدل الأحوال ولكن الشمس التي تشرق وتغرب كل يوم لم تتغير، فقط كانت عبارة عن توقيت يتوالى فيه الليل والنهار وتتبدل خلاله الفصول الأربعة .. في بقعة معينة على وجه الكرة الأرضية يحكي شاب كان يرتدي خوذة ويتمركز خلف إحدى شبابيك مبنى يتوسط منطقة سوق الحوت في بنغازي قصته التي عاشها وهو يتنقل بين الأبنية عندما تسمح الفرصة يحمل معه قناصة وبضع رصاصات بقيت معه في أيامه الأخيرة قبل أي يجد طريقه نحو البحر، يحمل هذا الشاب الذي حكت ملامحه أنه في سن الثلاثين، تزيد قليلا أو تنقص، يحمل في قلبه عقيدة التكفير باسم الجهاد في سبيل الله ضد قوات الجيش التي تحاصر ما تبقى من المناطق التي كان يتمركز فيها مع أقرانه في العقيدة والسلاح، والذين ينتمون إلى ما يعرف بشورى ثوار بنغازي وجماعات تكفيرية أخرى .
اطمأن الشاب على نفسه في إحدى المدن التي لجأ إليها وبدأ في سرد قصته التي مزجها بين شعوره الداخلي بالهزيمة والبطولات التي عاشها وهو يحمل على رأسه خوذة قديمة وقناصة فترة وجوده في خط النار، ولكن السرد لم يتركز على السلاح الذي عهد الليبيون الحديث عنه، ولا حتى عن حرب الشوارع التي عاشتها عدة مدن بقدر ما كانت ذروة قصته التي تحكي عن كيفية حياته هو ورفاقه، غير أن جلسائه في المقهى ينصتون إليه بكل دقة وهو يحرك يديه ويطلق إيحاءات بين الحين والآخر . “تعرفوا يا جماعة قعدنا في الأيام الأخيرة نرقدوا جنب الجثث” يقص هذا المقطع من قصته وهو يريد أن يوصل معنى أنه عاش فارسا شجاعا إلى درجة أنه تحمل النوم مع جثث أصحابه الذي قتلوا في الحرب، وزاد ” والله قعدنا في الأيام الأخيرة ناكلوا في العشب لأن التموين كمل ومعاش لقينا ماناكلوا ” في إشارة ضمنية منه بأن الحصار أطبق عليهم الحياة والأكل والشرب وحتى مكان المبيت لأن الأماكن التي كان يتنقل بينها لم تعد آمنة ..
هذه الحكاية تقودنا أيضا إلى استحضار ما جرى في منطقة قنفودة قبل تحريرها ومن قبلها الجيزة البحرية في سرت فربما كانت هناك قصص أكبر من أكل العشب والنوم بين الجثث فحكايا الحرب دائما ما كانت مليئة بالرعب الذي خذل أصحاب عقيدة التكفير فقد تحررت منطقة سوق الحوت التي عاش فيها هذا الشاب الذي صار ضحية لأفكار جاءت من أشخاص هم الآن يعيشون في ترف بعيدا عن الجثث وأكل العشب ..