المنسِّق
سمير عطا الله
في طبيعة السياسة وجوهرها، أن المشهد الإنساني ليس سوى عنصر مهرجاني. المتغير الأساسي هو السياسة نفسها. ما قبل وما بعد. أطفال خان شيخون مجرد مصادفة. فلو أنهم في مكان آخر، لكانوا يتمتعون بإجازة الربيع. لكنها مسؤولية المصادفات التي وضعتهم في طريق غاز السارين، الذي يُستخدم في العالم العربي لإبادة الكبار، وليس الصغار. الأطفال مجرد مصادفة لا يمكن منعها أو تجنبها، وإن كان من الممكن نفيها. فبعد غياب طويل ومقلق، ظهر الدكتور وليد المعلم، بهدوئه وبلاغته، نافياً بالثلاث، حكاية الغاز. ما الحاجة إلى الغاز فيما تتوافر كل الأساليب المقبولة دولياً؟
إذن، الحدث ليس في خان شيخون. فهذه مجرد بلدة أخرى وإحصاء آخر. وقال أحد المعلقين اللبنانيين، وهو يصرف المسألة كلها بإشارة من يده الساخرة، إنها كلها قضية أربعة إلى خمسة أيام، وينسى العالم ما سمع وما رأى. معه حق. لقد نسي العالم ما رأى وما سمع منذ أربعة إلى خمسة أعوام، فلماذا القلق من الضجيج اليوم؟
الجديد الوحيد في المسألة، متغيرات دونالد ترمب: من الدعوات الانتخابية إلى عدم التدخل في سوريا، إلى 59 صاروخ توماهوك في ليلة واحدة. لكن ليس قبل إبلاغ روسيا بالأمر، فالصواريخ سوف تمر من فوق قواعدها، وقد تقلق راحة العسكر. ولا شكل أن المنسق الروسي مسرور بنجاح دوره: حتى اليوم ما من اصطدام واحد في أجواء سوريا، لا مع الإسرائيليين، ولا الآن مع الأميركيين. دقة خارقة ودبلوماسية رائعة: حليف النظام الأول هو أيضاً صديق ترمب ونتنياهو.
لا يمكن أن يقصفا قواعده إلا بعد إبلاغ القيادة العليا في حميميم. لياقات ومودات.
وفيما لم يفاجأ بوتين بقرار صديقه، فوجئ الأميركيون: الكونغرس والصحافة والناس، في أقل من ثلاثة أشهر، يضرب ترمب في اليمن والعراق وسوريا. وسوف يلقن الخامل أوباما، درساً في معنى الخط الأحمر وتجاوزه. وفي خلال أقل من أسبوع، انتقل، هو ووزير خارجيته ومندوبته لدى هيئة الأمم، من اعتبار الوضع في سوريا مسألة داخلية، إلى استخدام الصواريخ القادرة على «تغيير رأيها» بعد الانطلاق، وتجنب أهدافها. لكنها لم تفعل. أكملت الطريق إلى المطار العسكري من دون إيقاع خسائر كبرى، كما أوضح محافظ حمص. شكراً يا صاحب السعادة، فهل بقي في حمص ما يمكن أن يتعرض للهدم؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية