المنتصر الوحيد
خاص “218”
خلال العشر سنوات الماضية أثبت فلاديمير بوتين أنه سياسي بارع في تحديد الوقت المناسب للدخول في الأزمات الدولية ولعب الأدوار المتناقضة في تقديم نفسه الوسيط والضالع في الأزمة على حد سواء.
“روسيا بوتين” التي شعرت أنها تعرضت لخداع كبير من الأوروبيين والغرب في مجلس الأمن عام 2011 بخصوص ليبيا، وجدت ضالتها في تاريخ الرابع من أبريل 2019 لتثبت للجميع أنها تعلمت من الدرس السابق، وتمت ترجمة ذلك في تعطيلها لمقترحات الإنجليز أصحاب الأقلام في مجلس الأمن مانحة قائد الجيش الوطني المشير حفتر مظلة دولية لعملياته العسكرية، أو ما اعتبره مراقبون ضوءا أخضر للمشير حفتر ليمضي في مشروعه لإخضاع المجموعات المسلحة لسلطته.
المثير للانتباه أن بوتين حضر مؤتمر برلين بصفتين متناقضتين، إحداهما صفة الطرف الفاعل المؤثر في الأزمة الليبية والداعم لأحد أطراف الصراع متمثلا في المشير حفتر، أما الثانية، صفة الوسيط الذي استبق مؤتمر برلين بلقاء جمع طرفي الصراع الليبي، للحفاظ على صمود الهدنة قبل انعقاد برلين، ما جعل لقاء موسكو عاملا ينصهر في معادلة الجهود الألمانية والأوروبية لضمان نجاح برلين.
انتهاء برلين بهذا الشكل الذي ترجم القلق الأوروبي بخصوص الأزمة الليبية دون الغوص في التفاصيل، يطرح مجموعة أسئلة، أهمها هل حقق بوتين أهدافه من لقاء موسكو؟ وهل سبَّب رفض حفتر التوقيع على وقف إطلاق النار إحراجا لبوتين؟
لعلّ حضور بوتين لبرلين يجيب ببساطة عن هذه الأسئلة، فلو شعر بوتين بالإحراج من موقف حليفه الليبي أو أنه شعر بالإحباط، ما كان له أن يكون حاضرا في مؤتمر برلين، أكثر من ذلك، لا نبالغ إن قلنا إن برلين لم يكن ليكتب له النجاح المتواضع إذا قرر الروس مقاطعته.
وعودة للإجابة عن السؤال الأول فالواضح أن لقاء موسكو لم يفشل وأهداف بوتين قد تحققت وترجمت نفسها في نقطتين أساسيتين.
الأولى كبح جماح حماس أردوغان لإرسال قوات نظامية تركية إلى ليبيا، والثانية إمساك بوتين بخيط الأزمة الليبية وهذا تجلى في اعتبار الأوروبيين لقاء موسكو أرضية لبرلين، أو بروفة لبرلين. حيث استثمر بوتين في الفراغ والارتباك الدوليين في ليبيا وطرح نفسه كوسيط دبلوماسي وأراد تحويل موسكو إلى عاصمة الحل السياسي لليبيا في المستقبل.
انتهى “برلين” بأوراق إضافية في جيب بوتين أهمها إعلان المشير حفتر أنه سيواصل زياراته لموسكو “الصديقة” وتحوّل الرئيس الروسي لراعٍ أصيل لمواقف الجيش الوطني. وورقة أخرى في جيب أردوغان لم يتم مناقشتها في برلين وهي مسألة اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق، وسط مخاوف أوروبية من استخدام الطرفين لسلاح النفط والهجرة غير النظامية التي تعبر بشكل رئيسي من ليبيا باتجاه أوروبا.