المكتبة (8)
نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
محمد الأصفر: كاتب ليبي، مواليد 1960، من حي المحيشي الشعبي في مدينة بنغازي، بدأ الكتابة في نهاية تسعينيات القرن العشرين. صدر له في مجال الرواية: (المداسة ـ2003)، (تقودني نجمةـ 2004)، (نواح الريق ـ 2004)، (سرة الكون ـ 2006)، (سرة الكون طـ2، 2009)، (شرمولةـ 2008 )، (شكشوكةـ 2009)، (عسل الناس ـ 2009)، (يانا علي ـ 2009)، (ملح ـ 2010)، (فرحة ـ 2010)، (وزارة الأحلام ـ 2012)، ( تمر وقعمول ـ 2019)،(علبة السعادة ـ 2019)، (بوق ـ 2020)،(جامايكا ـ2021)،( حجر رشيد ـ مجموعة قصصية ـ 2003)، (حجر الزهر ـ نصوص سردية ـ 2006)، (ثوار ليبيا الصبورون ـ 2011).
ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ يمكن أن أقول الملل والصدفة، لقد جربت عدة أشياء في حياتي. ولكن لم أجد نفسي فيها فمللت منها وتركتها رغم تحقيقي بعض النجاحات فيها كالتجارة والرياضة والتدريس. ورغم ذلك تركتها جميعها واتجهت للكتابة. وكنت آنذاك قد قاربت الأربعين من العمر، فبدأت أقرأ كثيرا جدا، حتى يمكنني أن أجدد ثقافتي التي اكتسبتها من الحياة وما بها من سفر وتجارة ورياضة وغيرها وأضيف إليها ما ينقصها من روافد، الآن وأنا أكتب أو أقرأ لا أشعر بالملل، لكن إن توقفت يوما واحدا فقط تضطرب حالتي وأضطر للعودة سريعا للقراءة أو الكتابة حتى أشعر بالراحة والسعادة والمتعة أيضا.
حدث الأمر سريعا، لم أكن معروفا في الوسط الثقافي، كنت في مطبخ بيتنا ليلا، يوجد في الكانون جمر متوهج وفي سلة البطاطس والبصل وجدت كوز ذرة فعريته من غطائه الأخضر الفاتح ووضعته على الجمر، وصرت أراقب الصراع بين الجمر الأحمر وحبيبات الذرة الذهبية، وبعد أن تمت العملية أكلت كوز الذرة وأخذت كراسة وبدأت كتابة أول نص طويل لي وكان بعنوان: (من مذكرات شجرة)، يحكي عن رحلة الفحم والنار والذرة وما ستؤول إليه حياتهم، وقد نشرته جريدة الجماهيرية على صفحتها الأخيرة.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟
ـ القرآن الكريم آياته التي تؤثر فيّ كثيرا، وتفيدني في اللغة والإيقاع، بقية الكتب أقرؤها لكن لا تؤثر فيّ، أقرؤها بشكل احترافي، أي ككاتب يحب أن يواكب الحركة الأدبية ويطلع على كل جديد.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ كان ذلك وأنا في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي، وهو كتاب (ألف ليلة وليلة) ثلاثة أجزاء تقريبا، عندما عرضوا في السنوات التالية مسلسل سندباد، كنت أعرف ما سيحدث في الحلقة تقريبا، ذلك الكتاب جعلني أحب الحكايات والخرافات والتراث القديم وكذلك ترك أي نص غير مقفل لمنحه فرصة حياة جديدة في جزء ثان أو ثالث كما تفعل شهرزاد كل فجر. أما الكتاب الذي تأثرت به فعلا وجعلني أغير أسلوب حياتي وعلاقتي بالآخرين فهو رواية (الأم لمكسيم جوركي).
ـ علاقتك بالكتاب الالكتروني؟
ـ علاقتي بالكتاب الالكتروني جيدة ، أقرأ بانتظام كتبا أحملها من الشبكة الالكترونية، في الحافلة في القطار في الحديقة في المقهى في أي مكان أفتح الهاتف أو الآيباد وأقرأ. لكن لا أقرأ بمتعة وتركيز كما يحدث مع الكتاب الورقي، أقرأ بطريقة مرور الكرام، بطريقة الكترونية سريعة، الكتاب الورقي يأخذ مني وقتا طويلا، كل ساعة أقرأ خمسين صفحة بينما الالكتروني كل ساعة 100 صفحة.
– ما الكتاب الذي تقرؤه الآن؟
ـ أنطون تشيخوف: مؤلفات مختارة، ترجمة: الدكتور أبوبكر يوسف، المجلد الأول، طبعة قديمة. سبق أن قرأت معظم قصص تشيخوف. قراءتها مرة أخرى غير مملة.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ موسيقى بتهوفن وكذلك موسيقى الأغاني المرسكاوية.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
ـ لا توجد أي علاقة، أي كتاب أكتبه أنساه ولا أعود إليه، وكذلك لا أحتفظ بأي نسخة منه في البيت، حتى لا يستدرجني لتصفحه وبعد ذلك أقول لو غيرت هذا الفصل أو عدلت هذه الجملة لكان الكتاب أجمل، حقيقة ليس لدي الآن من كتبي الصادرة التي تجاوزت السبعة عشر كتابا سوى (كتاب حجر رشيد) و(كتاب حجر الزهر)، وهما الكتابان الوحيدان اللذان صدرا لي في ليبيا عن مجلة المؤتمر ومجلس الثقافة العام، باختصار الكتب بالنسبة لي عبارة عن ماضٍ، وأنا لا أحب أن يشوش عليّ الماضي يومي أو غدي، شيء كتبته وعشته وانتهى بخيره وشره، فلا يجب أن يقفز أمامي من جديد، لذلك أتألم كثيرا كلما كتبت عملا جديدا وأصدرته، أشعر أن جزءا مني قد مات إلى الأبد، ولكي أعوض هذا الموت المؤلم جدا، عليّ أن أكتب من جديد لتستمر عجلة الجنون في الدوران، وبدأت في الآونة الأخيرة لا أنتهي من إتمام الكتاب بسرعة، لا ينبغي على هذا المسكين أن يعيش ستة أشهر فقط، فلنمدد في عمره تسعة أشهر أو عام ونصف، قبل أن يقبضه عزرائيل المطبعة وأخسره نهائيا، لكن دائما أحرص بأن يكون عمري أطول من عمر الكتاب، إن شعرت بأي وعكة أو مرض أعجل في قتل كتابي، لا أحب أن أترك بابا مفتوحا وأنا أغادر.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ لا أعتقد ذلك، العالم هو الذي يقوم بتغيير الكتابة، العالم تغير والكُتاب يواكبون تغيره بتغيير نمط أفكارهم وطريقة كتابتهم، الكتابة في القرن العشرين مختلفة عن القرن الواحد والعشرين، كل نصف قرن تقريبا تتغير الكتابة لتواكب تغير العالم، العالم الآن يغيره العلم ولا تغيره الكلمة مهما كانت عميقة أو بليغة، وربما يكون للكلمة دور في غرس بعض القيم والمبادئ والأخلاق، أنا أقصد الكتابة الأدبية لن تغير العالم، لكن الكتابة العلمية نعم ستغيره وستقلبه على أي وجه تريد أيضا.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
ـ مكتبتي الرئيسية في بنغازي حيث أملك عدة آلاف من الكتب اشتريتها من المكتبات والمعارض بالإضافة للكتب التي أهدت إليّ من الكُتاب الليبيين والعرب وهي مكتبة متنوعة، معظمها قصص وروايات ودواوين شعر. وكتب تاريخ وفن ولغة وغيرها. وهي غير منظمة أو مصنفة، إنما صنفت الكتب فوق بعض أو إلى جنب بعض بطريقة عشوائية، لكن يمكني أن ألتقط أي كتاب أريده في دقائق مهما كان مختبئا بين أو تحت كتب أخرى، ولكن حيث أقيم الآن في الخارج فمكتبتي بسيطة، لا تتجاوز خمسمائة كتاب تقريبا، ومعظمها من الإصدارات الروائية والقصصية الحديثة وخاصة المترجمة.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ بالتأكيد وباء كورونا الذي وضعنا في سجن ومنعنا من السفر وأقفل، وهذا أهم شيء، معارض الكتاب، ونتمنى أن تنتهي عربدته هذا العام لتعود الحياة إلى طبيعتها وليشعر البشر بالأمان.