المكتبة (28)
نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
محمد شعير، كاتب صحفي في جريدة «الأهرام» المصرية، صدر له خمسة كتب هي: “المرأة الحديدية تتكلم ـ 2000″، و “لا يُنشر ـ 2009″، و”هدير الصمت ـ 2013″، و”الثورة العميقة ـ 2017″، و”شغل فيس ـ 2018″، الذي حصل على جائزة إحسان عبد القدوس عن أفضل مقال سياسي في العام 2018، من نقابة الصحفيين المصريين.
ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ في الحقيقة لا أدري ماذا جاء بي إلى عالم الكتابة، فقد بدأ الأمر في صورة لعبة ألهو بها عندما كنتُ طفلا، فأكتب قصصا قصيرة من خيالي ثم أعرضها على والديَّ وأقاربي، وكانوا يُبدون إعجابهم بها بالنسبة لصغر سني، ومازلت أحتفظ بصورة لأول قصة كتبتُها بخط يدي، وهكذا بدأ الأمر هوايةً لكنها تحولت إلى حرفة، وانقلبت اللعبة جَدًّا.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟
ـ صيغة أفعل التفضيل لاختيار شيء واحد فقط من بين أشياء، تسفر غالبا عن نتائج غير دقيقة، فهناك الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، و«أولاد حارتنا» و«الحرافيش» لنجيب محفوظ، و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و«تغطية الإسلام» لإدوارد سعيد، و«السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» لمحمد الغزالي، و«المسيح اليهودي ونهاية العالم» لرضا هلال، وكل حرف يقرأه الإنسان يؤثر فيه ويعلِّمه.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ كنت ومازالت أحب كرة القدم، ولا أعتبرها شيئًا تافهًا مثل كثيرٍ من المثقفين، أو الأدق أن نسميهم الأشخاص غزيري القراءة المنفصلين عن حياة الناس، وكان أول كتاب قرأته وأنا صبي صغير هو «الكرة حياتي» لمحمد لطيف أحد أهم لاعبي كرة القدم المصريين في القرن العشرين وشيخ المعلقين الرياضيين، رحمه الله.
ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟
ـ أقرأه بالطبع، وهو مفيد لأنه يسهِّل الاطلاع على الكتب المهمة القديمة، لكنني مؤمنٌ بما كتبتُه يومًا ما عنوانًا لأحد مقالاتي.. «للورق عبق وإن كره الإلكترونيون».
ـ الكتاب الذي تقرأه الآن؟
ـ «شفرة الأنوثة» للدكتورة نشوى شاكر، وأنتظر سيل الإبداعات الجديدة في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذه الأيام.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ الموسيقى الكلاسيكية الغربية، والأنغام الشرقية الجميلة التي جمعت بين الأصالة والتجديد، كما في موسيقى عمار الشريعي وجمال سلامة وعمر خيرت، ولا أعرف كيف يرى البعض الموسيقى حرامًا، فهي أحد مصادر الإلهام بالمشاعر والأفكار، كما أن ترتيل القرآن الكريم ذاته يأخذ بالمقامات الموسيقية.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
ـ هي علاقة شديدة التعقيد، فأنا أحب كتبي كما أولادي، وأعتبر أنها ما سيتبقى مني في الدنيا بعد رحيلي، لكنها كثيرًا ما تثير حزني بل غضبي، عندما أعود إلى بعض ما كتبتُه فيها، فأتساءل: كيف كنتُ أرى الأمر على هذا النحو؟!، خاصة بالنسبة لكتبي السياسية، ثم أعود لأشعر ببعض الرضا والعزاء، لأن غضبي هذا يعني أنني تعلمت وتطورت. ومن الطبيعي بل الضروري أن تتطور الآراء أو تتغير كلما اكتسبنا معارف جديدة بمرور الزمن، وبالتالي فإن مجمل رؤية أي كاتب لا بد من استخلاصها من كتبه كلها، التي تمثل مسار تطور أفكاره وآرائه، وليس اقتطاع جملة من هنا أو فقرة من هناك لتوصيف الكاتب وتصنيفه.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ من التساؤلات الإنسانية الكبرى دوما: ماذا يغير العالم. الأفكار أم الأموال. القيمة والمبدأ أم القوة والمادة؟
والحقيقة أن تغيير العالم يكون ممكنًا إن اجتمع الأمران معًا، بمعنى أن تحمل الكتابة فكرا ينير الطريق للناس ويحل مشاكلهم دون أن يتعالى عليهم أو ينفصل عن واقعهم، وعندئذ تكون له قيمة مادية تسويقية جماهيرية، مما يمنحه القوة، انتشارًا وتأثيرا، مع العلم بأن تبني الحكومات فكرة واحدة جيدة وتحويلها إلى نظم وقوانين، يمكن أن يغير واقع الناس بما قد لا يفعله ألف مقال وكتاب.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
ـ شتى الألوان من المعارف والفنون، في السياسة والتاريخ والفكر والفقه، والأدب بأنواعه، باللغة العربية أو الكتب المترجمة، فالعمل الأول للكاتب هو أن يظل قارئا مدى الحياة، بشرط ألا يصبح في كتابته مجرد ناقل لما يقرأ، بل يبني موقفًا وفكرًا ورأيًا جديدًا من محصلة قراءاته.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ بصراحة شديدة ما يشغلني حاليًا هو الابتهال إلى الله، كي تخرج دور النشر من أزمتها المالية بسبب جائحة كورونا، حتى أتمكن من نشر كتابي الذي أنهيته منذ بضعة أشهر، والذي لا أستطيع الإفصاح الآن عن تصنيفه أو مضمونه، إذ لم أجد ناشرًا له بعد، وقد يبدو هذا الشاغل الشخصي بالنسبة لي مضحكًا، ومؤلمًا أيضا، فمن أصعب الأمور على أي كاتب أن تكتمل لديه فكرة وينهي كتابتها، ثم يجلس في انتظار خروجها إلى النور، لكنني في كل الأحوال لا أنتظر، بل بدأت الخطوات الأولى في عمل جديد، برغم أن السابق لم يُنشر بعد.