المشهدية الأوكرانية تُذكّر الليبيين بمآسي الحروب
طوابير طويلة للنازحين المدنيين، صافرات إنذار تُدوّي متزامنة مع سقوط الصواريخ وانطلاق المضادات الأرضية، طائرات محترقة، وأعمدة دخان متصاعدة، أحياء خالية من ساكنيها، ومشاهد دمار في كل مكان، مشهد متداخل شكل المشهد في أوكرانيا التي تواجه هجوماً روسيّاً شرساً من ثلاثة محاور.
جبهات ساخنة تبعد عن البر الليبي قرابة 3000 كم، استدعت ذاكرة ليبية قريبة لوقائع الحرب التي رافقت المشهد الليبي في العشرية الأخيرة، فالمشاهد ذاتها والمعاناة تتكرر مع اختلاف الزمان والمكان ورصيد الذاكرة لا تغيبه السنوات بل تشحذه وتعيده للواجهة الأحداث الجارية، التي تُوحد الإنسانية وتُذكر بوحشية وعنف الحروب.
مشاهد متطابقة دفعت بعض الناشطين ورواد السوشال ميديا في ليبيا إلى مقارنة الوضع الأوكراني بسياقات الحروب الليبية، بدءاً من حالات النزوح الجماعي وفرار العائلات من بؤر الاشتباكات وصولاً إلى احتدام القتال في محيط المطارات والمرافق الاستراتيجية، مع تصاعد وتيرة التعبئة الإعلامية وما يرافقها من تلاعب بالحقائق أو توتير للوضع على مختلف الصعد.
وتثير الأزمة مخاوف منطقية من تأثر ليبيا بارتدادات الأزمة، خاصة فيما يتعلق بواردات القمح والذرة التي تغطي أوكرانيا ما نسبته 43% من واردات القمح الليبي، مع صعوبة تغطية العجز الذي قد يحصل في حال استمرار المواجهة العسكرية أو اتساعها في ظل غياب مخزون استراتيجي وطني، بالإضافة لوقوع البلاد في دائرة امتدادات الأزمة والصراع على النفوذ مع حسبان أن روسيا لاعب رئيسي في الملف الليبي، حيث تحتفظ بوجود عسكري غير رسمي في البلاد.
ورغم المآسي التي تجلبها الحروب واستثارتها للذاكرة المؤلمة، إلا أن فوائد مرحلية قد تجنيها ليبيا من الأزمة الحالية على رأسها الارتفاع القياسي لأسعار النفط، والمطالبات الدولية لليبيا برفع إنتاجها من الغاز الطبيعي لتعويض الإمدادات الروسية، وهو ما قد يجلب الاستثمارات الأجنبية للقطاع النفطي الليبي المتداعي الذي يعاني غياب رأس المال الاستثماري، وضعف البنية التحتية، مما قد يجعل ليبيا في مركز سوق الطاقة الدولي مدفوعة بموقعها الاستراتيجي المجاور للقارة الأوروبية.
حسابات تدور بين الربح والخسارة إلا أنها تفرض حقيقة مرة يدفع ثمنها المدنيون الذي يقعون بين قطبي الرحى، وتفتح قوائم طويلة للقتلى والجرحى والمفقودين، فهي قوائم سوداء توحد الجميع وتعبر حاجز الزمان والمكان في تراجيديا مؤثرة لا تمحوها الذاكرة التي يحييها الألم مع كل مشهدية مماثلة.