المتوسط.. تاريخ من الصراعات البحرية
تمتد السواحل ذات الألفي كيلومتر تقريباً على البحر الأبيض المتوسط لتحكي تاريخه على مدى القرون، فهذه الشواطئ ذاتها كانت قبل قرابة 200 عام ساحة صراعات دموية، شاركت فيها قوى العالم، وكانت ليبيا وقتها في قلب بوتقة هذه الصراعات.
يحكي التاريخ أن “ليبيا” بولاياتها الثلاث في ذلك الوقت “طرابلس – برقة – فزان”، كانت تحت الاحتلال العثماني في فترته الثانية لليبيا، لكن الحكم كان في الفترة القره مانلية أقرب للحكم الذاتي، تحت سلطة “يوسف باشا القره مانلي”.
شهد المتوسط في هذه الفترة حروبا بحرية أسماها الأميركيون “حروب البربر”، فرض فيها الليبيون إتاوات على السفن المارة في المنطقة، بدعم سياسي عثماني، وقوة ليبية، واجهت سفن الولايات المتحدة الأميركية المستقلة حديثاً من الاحتلال البريطاني، والفاقدة لحماية الأسطول البريطاني.
تلخص الفترة ما بين 1801 و1815، أهمية الاستراتيجية الجغرافية، والتي لم تتغير عبر التاريخ، صانعة أهمية قصوى للسواحل التي تملكها ليبيا على واحد من “أكثر مناطق العالم حيوية” كما وصفه أحد الآباء المؤسسين الرئيس الأميركي توماس جيفرسون في ذلك الوقت.
دارت الحروب التي كانت إحدى أشهر محطاتها “أسر السفينة فيلاديلفيا” التي مازالت متواجدة في سواحل طرابلس تشهد على هذه المعارك، قبل أن تعود البحرية الأميركية وتحرقها كي لا يستخدمها “القره مانلي” في حربه معهم.
كانت معظم الأمم الأوروبية، تدير صراعاتها في هذه المنطقة من أجل مرور بضائعها، فكانت تدفع الإتاوات تارة، وتدخل في حروب تارة أخرى تجاه الأمم المطلة على المتوسط.
يقود استذكار هذه الأحداث، كتاريخ يتم الاستفادة منه، وليس كاستحضار لإعادة عمياء، إلى أن المصالح والجغرافيا، تفرض الخطوط العريضة للسياسة والتحالفات، وفهماً أوسع للقوة التي يتم مواجهتها وتلك التي يتم مهادنتها أو الوقوف إلى جانها لخلق مستقبل الشعوب، بدلاً من صنع انتصارات مؤقتة، تحترق فيما بعد وتظل واقفة لقرنين على حوائط السراي.