المتحور مجلس الدولة وغيره
سالم العوكلي
على ذكر فيروس كورونا المستجد، وتحوراته التي تراوغ معلومات وعلاجات ولقاحات العالم، ثمة فيروسات سياسية تتحور هي أيضا لتراوغ كل محاولة لعلاجها أو النجاة منها.
لقد عشنا أربعة عقود كان الحاكم فيها والدولة يتحوران باستمرار لتراوغ ويراوغ كل محاولة للفهم أو التكيف أو اكتشاف اللقاح. بداية من كيوفيد 69 كانت في البداية الجمهورية الرعوية التي تحورت بعد 8 سنوات إلى الجماهيرية العظمى، وفي الأثناء تحورت من اشتراكية عبيطة استمرت لسنين طويلة وحولت البلاد إلى مؤسسة ضمان شاملة، وورشة للفساد أقامها القطاع العام، إلى رأسمالية غبية حولت البلد إلى قطعان من السماسرة ومرتزقة الصفقات، وتناسل فيها المليونيرات مثل البعوض دون أن يقدموا إنتاجا أو خدمة للمجتمع، ومن دولة عربية ذابت حدودها في خارطة الوطن العربي الخضراء، إلى دولة أفريقية ذابت في لون خارطة أفريقيا السوداء. من دولة قومية عربية فتحت حدودها لكل العرب وتحولت إلى وكالة دون بواب، إلى دولة قارية افريقية كفرت بكل العرب ووصفتهم بأقذع الشتائم، وصولا إلى آخر محاولة فاشلة للتحور صوب دولة فاطمية تغازل المد الفارسي في المنطقة، وتتملق الثورة الإسلامية الهائجة التي دعمها القذافي في حربها ضد العراق. وعبر هذا التحور للدولة، كان الحاكم أيضا يتحور كأي فيروس يسعى للنجاة من أي محاولة لعلاجه أو اكتشاف اللقاح المضاد له، فمن ملازم إلى عقيد إلى قائد إلى مفكر إلى ملهم إلى مهندس إلى إمام للمسلمين إلى ملك ملوك إفريقيا، كان التحور على اشده وسريعا، وكانت مراكز مراقبة فيروسات الاستبداد حائرة حياله وعاجزة عن فهم تركيبته الجينية، إلى أن روضته في النهاية لمختبراتها، وقدمته للعالم كنموذج للفيروس التائب حين سلم مجانا مشروعه النووي الذي طلب من الشعب ربط الحزام من أجله، وإلى قفل مكاتب المنظمات الفلسطينية، وتقديم المعلومات عن الخبراء النوويين الباكستان، وعن أسرار الجيش الأيرلندي الذي دعمه لسنين بمئات الملايين كي يقض مضجع إمبراطورية الشمس الآفلة. وإلى أن أكتشف لقاح الربيع العربي الذي قضى عليه وإن لم يقضِ على سلالته المتحورة من الطغاة الجدد.
استمر هذا الهوس بالتحور الفيروسي ما بعد فبراير، وكل السلطات التصقت بمقاعدها ــ التي لم تكن مغلفة بالتيفال ــ كبقايا الطعام المحروق في قيعان الطناجر المعدنية، لكن أشهر تحور حدث، وأقربها إلى سلوك الفيروسات، كان تحور المؤتمر الوطني إلى ما يسمى مجلس الدولة، وبعدما عاث كيوفيد المؤتمر الوطني خرابا في المسار السياسي ووضع البنية التحتية لكل الحروب التي قامت، تحول إلى دلتا مجلس الدولة الاستشاري الشديد العدوى والأكثر فتكا، والذي مازال مصرا على أن تبقى ليبيا تراوح في داخل أزمتها، ومثلما خرج كيوفيد 19 من الخفاش البري خرج فيروس مجلس الدولة من تنظيم الأخوان السري، واعترف به العالم مرغما مثلما اعترف بالفيروس الصيني ليجعله طرفا في المعادلة في موازاة مجلس النواب . ومجلس النواب هذا، أو ذاك، لم يكن فيروسا بالمعنى الدقيق، لكنه نوع من البكتيريا التي تتكاثر بالانقسام، فانقسم إلى مجلسين في الشرق والغرب، وداخل المجلسين استمرت الانقسامات دون حدود حتى أصبح كل نائب فردا وحده يسعى لمصلحته، وجراء طول مدة الولاية نسى النواب حتى الدوائر التي انتخبتهم بل نسوا أنهم منتخبون. مع ملاحظة أن هناك نوعين من البكتيريا: بكتيريا ضارة وبكتيريا نافعة، وسأترك للقارئ تحديد مِن أي نوع هو.
فتحت السيدة ستيفاني مندوبة منظمة الصحة العالمية بالوكالة، أقصد منظمة الأمم المتحدة، بابا آخر لهذا التحور في سبيل ترويض شراسة الفيروسات السابقة، فاخترعت ملتقى أو منتدى للحوار من سبعين شخصا لا أعرف كيف اختيروا ومن يمثلوا، ومع احترامي لبعضهن وبعضهم النزيه، اكتظ المنتدى بفيروسات سابقة كنا نعرفها وقد تحورت وعدلت تركيبتها الجينية، ومن خلال هذا الفيروس الجديد الذي تنقل بين جنيف وتونس، برزت عدة قوائم متحورة هي أيضا لأن معظمها يحمل الأسماء نفسها الفاشلة التي جعلت من ليبيا دولة فاشلة مقابل ما يتقاضونه من مرتبات ضخمة وهبات ومكافآت، وفي الموجة الثانية أو الثالثة من انتشار الفيروس، تدخل هذه المرة المال السياسي الفاسد كي تفوز قائمة لم يتوقعها أحد ، أسماءُ مَن على رأسها مجهولون، مثلما جيئ إلى المجلس الرئاسي السابق وحكومة الوفاق المتحورة برأس ورؤوس مجهولة لا يعرفها أحد، وكلما استجد شخص على رأس سلطة عليا، لاذ الليبيون، أو معظمهم، بموقع جوجل لمعرفة معلومات عنه، كما كانوا يلوذون بجوجل لمعرفة معلومات عن كل فيروس يستجد.
تفشت الحالة الفيروسية في الكثير من أعضاء هذا المنتدى، ووصلوا بالقاعدة الدستورية التي من المفترض أن تهيء المناخ العام لانتخابات 24 ديسمبر القادمة، إلى طريق مسدود، وكان وراء هذه العرقلة والانقلاب الفيروس السابق المتحور مجلس الدولة، وأحد زعمائه الذين رحبوا بالعرقلة والانقلاب، وبالتحور الاضطراري كلما احسوا بإمكانية خروجهم من المشهد كسلوك فيروسي أصيل.
فرضت هذه الفيروسات على المجتمع تحوطات إجبارية مثل قفل الطرق والمحلات، والإغلاق الشامل أحيانا، والتباعد الاجتماعي الذي بث الكراهية في المجتمع، ووزعوا ملايين الكمامات المانعة للصوت على أفراد المجتمع، وراوغوا بهذا التحور المستمر كل لقاح تمثل في جيمع المبادرات المجهضة، ومرارا حاول الليبيون غسل أيديهم منهم لكن دون فائدة.
والآن الجسم البكتيري الذي تكاثر بالانقسام، مازال لم يتفق على اعتماد الميزانية للجسم الجديد المتحور عن منتدى الحوار المتحور عن اتفاق الصخيرات المتحور أساسا عن فيروس الجماهيرية التي مازالت سلالته تتكاثر وتعدل خارطتها الوراثية من أجل البقاء والانتشار، وتضرب باطنابها في عقول كل من تصدروا المشهد، ولا استثني منهم سوى من قدم استقالته بشرف.
لكني في حقيقة الأمر لا أخالف هذا الجسم المتكاثر بالانقسام فيما يخص عدم اعتماد الميزانية، لأسباب أظن أنها تختلف عن أسبابه، وتتعلق بكونها أجساما غير شرعية وصلت إلى أعلى السلطات عبر الرشى والمال الفاسد، وبالتالي، ومنطقيا، وطبيعيا، لا يمكن إلا أن تكون فاسدة، وما بني على باطل فهو فاسد منطقيا وتحوريا.
وفي خضم هذه الفوضى والتحور المستمر، مازال الليبيون يفتشون في جوجل عن طبيعة هذه الفيروسات وطرق الوقاية منها، بعد أن يئسوا من وصول العلاجات واللقاحات الدولية، ولولا نعمة الزفت الأسود التي مازالت تسد الرمق، لرأينا حشودا من الهجرة خارج الوطن، ولولا مناعة القطيع التي تدربوا عليها طيلة خمسة عقود، لفنوا جميعا، وتركوا الوطن متنزها فارغا من السكان لكل أنواع المرتزقة التي جلبتها الفيروسات المتحورة وغير المتحورة من كل حدب وصوب.