الليبيون بين “ستوكهولم” و”ليما”
عبدالحكيم بن عثمان
علّ الناظر للمشهد العام في ليبيا الآن يتابع حرباً ضروسا تدور رحاها على تخوم العاصمة طرابلس، حروب لم تبق مدينة في ليبيا إلا وشهدتها على مدار تسع سنوات عجاف، سواء بشكل قبلي أو جهوي أو من أجل الاستحواذ على السلطة أو الثروات، لكن الغريب أن أشخاصاً غير مرتبطين بهذه الحروب بل ومتضررين منها تجدهم يناصرون طرفاً على آخر أو متعاطفين مع جماعة بعينها رغم الأذى الذي لحق بهم
فهل يمكن أن يكون بعض الليبيين يعانون من متلازمة ستوكهولم؟ هذا ليس ببعيد ومُتوقع.
ماهي متلازمة ستوكهولم؟
هي ظاهرة نفسية تصيب الشخص عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف. وتسمى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف وهذه المشاعر تعتبر بشكل عام غير منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة التي تتحملها الضحية، إذ أنها تفهم بشكل خاطىء عدم الإساءة من قبل المعتدي إحساناً ورحمة وظهر المسمى أول مرة عام 1973 في مدينة ستوكهولم السويدية.
ويمكن اعتبار متلازمة ستوكهولم كنوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الآخر بشكل متقطع ومتناوب.
إحدى الفرضيات التي تفسر هذا السلوك، تفترض أن هذا الارتباط هو استجابة الفرد للصدمة وتحوله لضحية. فالتضامن مع المعتدي هو إحدى الطرق للدفاع عن الذات. فالضحية حين تؤمن بنفس أفكار وقيم المعتدي فإن هذه الأفكار والتصرفات لن تعتبرها الضحية تهديدًا أو تخويفا.
ووفقا لاطلاعنا على متلازمة ستوكهولم فإن الأمر يتكرر في المشهد الليبي فنشاهد أشخاصاً تضرروا من مجموعات مسلحة أو أفراداً ينتمون لها أو جماعات ذات أيديولوجية متشددة انتهكت مضاجع الآمنين وأنهكت قوى الليبيين على مدار سنوات وليس في ليلة وضحاها.
واقع عاشه الليبيون مرغمين غير مخيرين بعد أن استحوذ الجميع على السلاح وبدؤوا يتحكمون في قوت الليبيين وفي حياتهم، عشرات بل مئات المجموعات المسلحة على طول التراب الليبي وعرضه سواء بشكل منظم أو غير منظم، لا يمتثلون للسلطة القائمة وباتوا حكومة ظل، بل هم الحكومة وفي وضح النهار، بيد أن الليبيين أظهروا ولاء لبعضها أو للأقل ضررا منها، في وقت استخدمت جميعها سلطتها على المستضعفين وحتى القادرين بخطف ونهب وترهيب وتخويف وقتل وتشريد وتهجير.
يظن البعض أن أفضل الجماعات من بين هؤلاء هو الجلاد العطوف الذي أظهر رحمة مع بعض الناس في حين سبب ضرراً جسيما لآخرين حتى وصل الأمر ببعض هؤلاء الجلادين إلى إطلاق سراح بعض المواطنين وربما يكون هذا الجلاد قد تعرض لمتلازمة ليما، وهذا متوقع، المتلازمة التي أوصلت بعض الجلادين إلى محاولة الفتك بغريمه من الجماعات المسلحة الأخرى لاعتقاده أنه يسبب ضررا لمدنيين عُزل وأنه افضل منهم أو هكذا خُيل له.
متلازمة ليما لمن لا يعرفها هي ظاهرة نفسية أخرى تعد النقيض لمتلازمة ستوكهولم والتي سميت نسبة لحادثة وقعت في عاصمة البيرو عام 1996 وفيها يتعاطف العدو مع المعتدى عليه بدافع الرحمة والتعاطف والشفقة، وذلك بدافع الإنسانية بطبيعة الحال، وأكثر الأشخاص عرضة لهذه المتلازمة هن النساء المجرمات والأطفال. وكذلك من ازدادت جرائمه وكثر مناصروه وبات يرى نفسه الجلاد الأقوى من غيره أو الأقل رحمة منه وهناك عدة أسباب لظهور المتلازمة ليما لدى الخاطف أو المعتدي ففي بعض الحالات يكون هناك عدة أفراد مرتكبين للخطف أو الانتهاك، واحد منهم أو أكثر يبدأ بالخلاف مع الآخرين حول ما يقومون به ويؤثر أحدهم على الآخر. كما قد يعيد الخاطف التفكير بالأمر أو يتعاطف مع الضحية
بين ستوكهولم وليما صورة متطابقة في ليبيا الآن حيث أن جماعات سيطرت على الحكم وتحكمت في صنع القرار وأذاقت الليبيين مرارةً لم يذوقوها من قبل، وجماعات مسلحة أخرى ترى في نفسها صورة مثالية لم يكن لها مثيل وأنها أفضل من غيرها، في وقت سكتت جل الميادين التي بحت حناجر من فيها تطالب بجيش وشرطة، جيش يكون مترابطاً لا منقسما وولاؤه للوطن، وشرطة لديها القدرة والإمكانية لتحافظ على أمن المواطن وفي خدمته، وتبقى ستوكهولم وليما متلازمتين يرزح بينهما الليبيون في انتظار مُخلّص يسخر كل جهوده وإمكاناته ليخرجهم منها.
في حين يبقى الجلاد جلاداً ومعتدياً ومنتهكاً وتبقى الضحية ضحية عاشت رهينة لهؤلاء مهما كان تأثير المتلازمتين اللتين سيزول مفعولهما يوماً ما ليعي الليبيون حقيقة هؤلاء وما مروا به.