الفراغ السياسي.. جذب لـ”القوى الأجنبية”.. و “مُهاجِرين أكثر”
منذ مطلع هذا العام وفي غضون أول 25 يومًا منه، لقي 246 مهاجرًا ولاجئًا حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، حسب تقدير منظمة الهجرة الدولية التي تقول أنّ 210 شخصًا ماتوا في فترة مماثلة من عام 2016. وبهذا تتجاوز حصيلة أعداد المهاجرين الذين قضوا أثناء عبورهم البحر المتوسط وحده 13 ألفًا، لذا لا عجب أن يكون أكثر طرق الهجرة خطرًا في العالم.
وطبقا لمقال توني باربر في صحيفة “فايننشال تايمز” فإنه بينما يستعد قادة الاتحاد الأوروبي باستثناء بريطانيا للاجتماع في مالطا الجمعة القادمة في محاولة لاتخاذ إجراءٍ جديد لمعالجة هذه الحالة الطارئة، تبدو فرص الوصول إلى اتفاقية مماثلة للتي عقدوها مع تركيا قبل عام لوقف تدفق الأعداد المهولة من المهاجرين نحو جنوب شرق أوروبا ضئيلة. إذ تكمن المشكلة الرئيسة في انهيار الدولة الليبية عقب الثورة التي انطلقت عام 2011 والتدخل الغربي الذي أفضى إلى الإطاحة بحكم معمر القذافي. كما تدرك الحكومات الأوروبية أنّ انهيار ليبيا والديناميكية غير المنتظمة في المهاجرين الأفارقة تجعل من نموذج الاتفاقية التركية أمرًا غير واقعي. ناهيك عن أنّ تأكيد الاتحاد الأوروبي على وجود شريكٍ ليبي له- في إشارة إلى حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة – والتي ستبذل جهودها لوقف تدفّق اللاجئين لا يعدو أن يكون من نسج خيال الاتحاد الأوروبي.
فالانفجار الليبي الداخلي زاد من فرص تهريب المهاجرين، حيث أنّ 90% من بين 181 ألف مهاجر عبروا البحر المتوسط السنة الماضية كانوا يغادرون من السواحل الليبية، ومعظمهم يأتون من شمال النيجر عبر رحلة مضنية في الصحراء الليبية. كما لا تملك حكومة طرابلس أي سلطة على الجنوب الليبي، فضلًا عن أنّ سكانه، إلى جانب القاطنين على الحدود مع النيجر، يعتاشون من تهريب المهاجرين، حتى وصل الأمر بأن قال مارتن كوبلر مبعوث الأمم المتحدة الخاص في ليبيا أن ليبيا ” سوق اتجار بالبشر” في إشارة إلى المهاجرين.
ينقل المهرّبون الاريتيريين والنيجيريين والأفارقة الآخرين إلى السواحل الليبية ويبيعونهم مكانًا على متن زوارق هوائية أو مراكب أخرى واهية. بينما تتمكن بعض السفن من الوصول إلى السواحل الإيطالية، فإنّ معظمها لا يصلح للإبحار وسرعان ما ينقلب في عُرض البحر. وصل إلى ايطاليا نصف مليون شخص عبر القوراب في غضون السنوات الثلاث الأخيرة. كما أشار ديمتريس أفرامبولوس، مفوّض الاتحاد الأوروبي للهجرة، أنّ هناك300 ألف مهاجر في شمال ليبيا ينتظرون اللحظة المناسبة لمحاولة عبور البحر، ولكنّهم ما أن يضعوا أقدامهم على الأرض الإيطالية حتى يكتشفوا أنّ الاتحاد الأوروبي لا يملك أي خطط بخصوص توزيعهم بين دول أوروبا أو إعادتهم إلى أوطانهم. وربما سمعوا الكثيرمن المسؤولين الإيطاليين عن تخلّي الدول الأوروبية عن إيطاليا في محنتها بالتعامل مع هذه الحالة الطارئة.
أمّا أسوأ الكوابيس التي تواجه أوروبا فهو تفتت ليبيا بين نزاعات داخلية تنشر الفوضى. إذ يجذب الفراغ السياسي –غياب الحكومة- القوى الأجنبية ويهدد سياسة الاتحاد الأوروبي للمهاجرين في ليبيا بالافتقار المطلق إلى المنطقية. يبرز خليفة حفتر كشخصية محورية في ليبيا، إذ يعتبر حفتر نفسه على أنّه الخصم الأقوى للمتطرفين والإرهابيين في شمال أفريقيا، وهو ما يقرّبه من روسيا، وربما من إدارة ترامب. فإذا سحبت واشنطن دعمها من حكومة طرابلس، فسيجد الاتحاد الأوروبي نفسه فريسة الوقوف كالمتفرج أمام ما يحدث في ليبيا، ممّا سيجعله رهينة لاستيراد عدم الاستقرار من المنطقة في الوقت الذي يعلن فيه أنّ مهمته تحقيق الاستقرار في ليبيا.