الغيث تحول لمطر …. ليبيا التي يلتهمها الفساد
سليمان البيوضي
في الوقت الذي تجتمع فيه الطبقة السياسية الليبية من يسميهم المجتمع الدولي بالفاعلين الرئيسيين في عواصم العالم من أجل تقاسم السلطة واستمرار مشروع نهب وافتراس ليبيا، فإن المواطنين في الجزر الليبية المعزولة يعيشون أسوأ حقبة في تاريخهم على الإطلاق ، حيث لا يوجد أثر لأولئك الفاعلين وتكاد تنعدم سبل الحياة في بعض الجزر – المناطق – الليبية، وثمة نقص كبير فيها لدى البقية لا سيما المدن الرئيسية، إذ لم تتوقف الحياة في ليبيا عند غياب الخدمات وتشظي الكيان، بل حتى بشائر الخير كالغيث النافع المرتبط بالمخيال الليبي ومواريثه الشعبية في الزراعة ومناحي الحياة العامة كوصف (عام الصابة) نسبة للوفرة في المحاصيل الزراعية، أضحى مطرا وغضبا وأزاح اللثام عن وجه بشع للفساد الليبي، لقد غرق المواطنون وخسروا أرزاقهم واقتحمت المياه بيوتهم بدون إذن، في كارثة طبيعية لم يعرفها الليبيون منذ زمن.
في هذه المأساة المضافة لم يخرج مسؤول واحد ليُشعِر المواطنين بوجود الدولة أو ليشد من عزائمهم ويتألم لخسائرهم وصعوبة تعويضها، بل على العكس تماما اختفت ملامح الدولة، وتبرع المواطنون بشكل تكافلي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى حركة السير عوضها شباب متطوعون بديلا عن الشرطة ومديريات الأمن، شوارع بأكملها أقفلت وبيوت غرقت وأصحاب محلات خسروا بضاعتهم ولا أحد لا أحد يخرج ليقول لهم (نحن معكم) على أقل تقدير.
بل ينكب المسؤولون على متابعة أخبار المفاوضات عن كثب، متشبثين بكراسيهم يرشحون أولئك المرتبطين عضويا بافتراس البلاد ونهبها وتمزيق كيانها المجتمعي، في مشهد سريالي قاسي ينبئ باستمرار غياب الدولة في ليبيا إلى أجل غير مسمى، أما المواطنون فلم يعد يعنيهم من يبقى أو يستقيل ولم تعد تطرب آذانهم الشعارات الفضفاضة، لإنهم لا يثقون بطبقة سياسية فاسدة نهبت كل شيء و لا تستحي في ذلك ، وهم لا يصدقون أولئك الذين ملؤوا كروشهم بالمال الحرام .
إن قمة الصفاقة – إن صح وصفها – هي حديث بعضهم واتهام المواطنين بأنهم السبب في تكدس المياه في الشوارع وعدم مرورها إلى أنابيب البنية التحتية، فبحسب مدونين ومسؤولين في أحزاب سياسية – هي جزء أساسي في المفاوضات – فإن المواطنين هم من يرمون القمامة في الشوارع وأكواب القهوة وأكياس النايلون وبقايا السجائر، ولذلك غرقت المحلات والبيوت وأتلفَت الممتلكات، إن هذه الاتهامات هي دليل قاطع على أن من تمكنوا من ليبيا لم يعد من اهتماماتهم تقديم الخدمات وتنظيف الشوارع والاهتمام بالبنية التحتية، ونسو أو تناسوا أن تغيير الثقافة الشعبية يتم من خلال حملات التوعية وتشجيع المواطنين نحو الخيارات الأفضل، لقد نسي هؤلاء اللصوص أن ليبيا منذ تسع سنوات توقف فيها أي تطوير أو تنمية وأن المواطنين لم يعودوا قادرين على الوصول للقمة عيشهم، وأنهم لا يدخلون المقاهي تقريبا وإن دخلوها فإن مطلبهم البسيط سيدخل قائمة الديون اليومية الطويلة التي تبدأ صباحا في المقاهي وتنتهي آخر النهار في الصيدلية مرورا بمحل المواد الغذائية والخضراوات وموادّ التنظيف وترفا شهريا -ربما محل اللحوم- ، وفي النهاية لن يصل المرتب في حينه وستتراكم الديون، وإن وصل فإن السيولة – المكنوزة في خزائنهم – لن تكون موجودة بالمصارف.
إن أولئك الذين تجرؤوا على اتهام الناس بإغلاق (بالوعات) تصريف المياه لن يتوانوا لحظة عن اتهام الشعب بأنه السبب في ما آلت له الأوضاع، ومن يدري فقد يتهمونهم بغسيل الأموال وافتراس ليبيا ونهبها، وأنهم سبب ضياع الدولة وغيابها، وربما يخرج أحدهم ليتهم الشعب بأن الغيث تحول لمطر في (عقاب إلهي لهم) لأنهم افتتحوا محلات يبحثون فيها عن رزقهم دون إذنهم وإشراكهم في الربح، وأن بيوتهم التي دخلتها المياه بسبب الجزية التي لم يدفعوها!!!!.