العين في “غناوي العلم” مخطئة غالباً!
محمد خليفة إدريس
حازت العين على مكانة كبيرة في الشعر الشعبي الليبي، بين من يتغزل بعين محبوبته تارة وبين من يلوم عينه التي لم تطق غياب الحبيب، وباختلاف المشاعر التي يودّ الشاعر إيصالها أو المواقف التي يودّ أن يصفها تبقى العين جزءا أساسياً من موروثنا الشعري التراثي في ليبيا.
أحد الشعراء اختزل حبه فيما يحدث معه بعيداً عن القلب فقال: “العين في النهار أدوج*** ويجي الليل ويضيق علمها”
ويقصد أن عينه في النهار تلتهي بما تراه حولها وأشار إلى ذلك بكلمة “أدوج”، إلا أن الليل يجعلها تبكي الحبيب، في حين أن أحدهم ذهب بالمبالغة في وصف بكائه الذي استمر حتى قام بتجديل أهدابه من شدة انهمار الدموع فقال: “العين هدبها مفتول*** على عزيز ياما باكيا”.
أما بعض الشعراء فيختارون التورية ولا يوردون العين في غناوتهم ولكن المعنى يشير لها “عزيز وين ما نطروه *** يسيلن رقيقات الغرض” والقصد هنا أن ذكر الحبيب كلما جاء أمام صاحب الغناوة انهالت الدموع من عينيه لا إرادياً ويلومها بالقول “رقيقات الغرض” وهي جملة تستعمل كنوع من اللوم بقلة قيمة الشخص، كأن نقول “فلان رقيق غرض” أي أنه شخص وضع نفسه في مكان لا يليق بها، أو ما كان ينبغي له أن يكون بهذا الموضع.
ومن الغريب في أحوال العاشقين أنهم يلومون العين إن بكت ويلومونها أيضا على الصبر والنسيان! كالشاعر الذي قال مستفهماً: ” شاوي عليك الدمع *** وإلا عزيز يا عين ناسيــــــة؟” وهو هنا يقول لعينه لماذا لم تعودي تبكين على الحبيب هل بسبب النسيان أم قلة الدموع؟ وفي كلتا الحالتين يُلقي الشاعر باللوم على عينه فلا مناص من العتاب أعان الله عيوننا علينا!.
ومن أبواب لوم الشعراء للعين واتهامها بتسيير العقل في غناوي العلم ما قاله أحدهم: “العين هي عذاب العقل *** دلاته علي راي ذيبله” وهنا يرمي الشاعر إلى أن عينه سلبت عقله القدرة على التفكير، بل ويتهمها بقيادته إلى رأي “ذيبله” وهي كلمة عامية بمعنى أذبله وترمي إلى الهلاك والضياع.
والغريب الذي دائما ما يشغلني، هو جمالية عين الصقر التي يتغزل بها الشعراء، فإذا ما نظرت لعين الصقر بتجرد، ودون الانطباع السائد، فستجد أنها غير جميلة، بخلاف عين الفرس أو عيون حيوانات أخرى من الأبلغ أن تجعلها مضرب مثل في الجمال، ولكنها تظل الأبرز في الغزل في موروثنا الشعبي، فالغناي عبد الله عابد مثلا قال: “عين الغالي عين امكمم *** منها لا ها الوقت انخمم” والمكمم هو الصقر الذي يلبسه صاحبه كمامة على عينيه، وعلى سيرة الصقر والكمامة فقد طالب الغناي فتاح سيويد حبيبته بتغطية عينيها مشبهاً إياها بعيون الصقر فقال “فيت عزيز ايدير اكمامه*** ما نقدر نهلب قدامه” وهو شرط أساسي يطلبه الشاعر ليتمكن من المرور بجانب محبوبته لشدة سحر عيونها.
مواطن كثيرة ورد فيها ذكر العيون في الشعر الشعبي ولا يتسع المجال هنا لذكرها، ولكنني ولأجل “عيونكم” أحببتم أن أشارككم بجزء منها، متمنياً لكم ولأعينكم دوام السعادة والبهجة والأنس بقرب الحبيب.