العيش وخبّازه
نورالدين خليفة النمر
ليس في مكنتنا في زمن الحزن المقيم إلاّ الأبتهاج بالثقافة فهي المخرج من النفق ،والحياة لاينبغي أن تتوقف حتى ننتهي من إقتراف الموت، وأن نبارك بزوغ كتاب “شمس على نوافذ مغلقة: مختارات من أعمال الأدباء الليبيين الشباب”الذي صدر الآيام الماضية ضمن مشروع مشترك بين مؤسسة أريتي للثقافة والفنون المدعومة من منظمات أوروبية ثقافية، ودار “دارف” الفرجاني العريقة للنشر.والكتاب من تحرير خالد المطاوع وليلي نعيم المغربي. مع مقدمة للآكاديمية غير المعروفة في الدراسات الليبية فريدة المصري ودراسة للكاتب والصحفي المعروف أحمد الفيتوري. الكتاب يحتوي على أعمال لشعراء وقصاصين وروائيين ليبيين شباب ،أغلبهم كتبوا ،ونشروا بعد ثورة 17 فبراير 2011 وهم أحمد البخاري، أحمد الشارف، أحمد الفاخري، أمل النايلي، أمل بنود، أنوار الجرنازي، إنتصار البرعصي، إيناس فارس، المكي احمد المستجير، أنيس فوزي، حسام الثني، خيري جبودة، راوية الككلي، ربيع بركات، سراج الدين الورفلي، علي الطيف، غدى كفالة، فيروز العوكلي، محمد النّعاس، منيرة نصيب، مهند شريفة، نجوى وهيبة .
كنت وقتها في طرابلس وكان ذلك في 14 يناير 2012 حيث عدت إلى ليبيا بعد غياب في المانيا من عام 1992 قارب العقدين من الزمن،تخلله مكوث عام 2000 لمدة أشهر ثم غياب تخللته ثلاث زيارات قصيرة في 06 .10. 2011 أطولها ثلاثة آسابيع .وفي شتاء عام 2014 جرتني قدماي إلى مقهى الصفوة في طرابلس لألتقي بالإعلامي القديم عبد الحميد بن بركة الذي توتقت صداقتي به عام 2012 لأجد على الطاولة أمامه مجلة ملّونة فاخرة الورق إسمها “جالينوس” التي شرع في إصدارها بطرابلس نادي القراءة “النواة الأولى” ويشرف عليها ويكتب إفتتاحيتها الطالب بكلية الطب البشري جامعة طرابلس بدرالدين الورفلي الذي بدأ الكتابة الصحفية عقب سقوط النظام الدكتاتوري، ونشر مقالاته ـ إلى جانب جالينوس ـ في جريدة فبراير الورقية التي كانت خصّصت زاوية فيها لكتابات زملاءه الشباب .فقط بالشاعر الواعد أحمد الشارف تربطني وشائج الصداقة العائلية ،والآخرين حضرت ثلاثة من أمسيات قراءاتهم السبتية ،فضولياً مستمعاً بمحض الصدفة في مكتبة قدري معروف بطرابلس التي تربطني بها وشائج من ذكريات قراءات الشباب المبكر وكانت قراءة المرّة الأولي من مفارقات الصدفة السعيدة أيضاً، في كتاب “نبي جبران” وكان يدير الجلسة بدرالدين الورفلي ،والمشاركون الآخرون كانوا راوية الككلي ،وأحمد الشارف،وعبد الوهاب وأخته نسرين العالم ،والمرحومة المغتالة أمل الحصائري الخ ومنهم من قرأت لهم في جالينوس ،وفي ملفهم الشبابي بصحيفة فبراير المتوقفة بعد أحداث 2014 .
من المفارقات الليبية الدائمة في الثقافة والسياسة والشأن العام عموماً ، أن لايعطى العيش لخبّازه،ولذا دائما تقع ليبيا في أخطاء التاريخ القاتلة،وسرد الأمثلة سيقتل مقالنا بالإطالة والهذر الكلامي ،فنكتفي بالقول لو ولو تفتح عمل الشيطان والأنسان .لو الشاعر الآميركي ـ الليبي خالد مطاوع صاحب مؤسسة أريتي للثقافة والفنون الذي تعرّف على ليبيا وثقافتها ومن أنتقاهم لصحبته المجّانية من مثقفيها بصورة سياحية عام2012 ،وأبناء الناشر والمكتبي الكبير محمد الفرجاني اللذان لايملكان دراية الأب في ليبيا وثقافتها وهما يزمعان إصدار هذا الكتاب المهّم أعطوا عيش إصدارهم الشبابي اللافت لخبّازين هما المؤهلين مع إحترامي للمقدّمين المذكورين وهما زميلين ليس بيني ويينهما إلا الخير ـ فأوكلو مهمة التقديم الفكري للأستاذ الكاتب منصور ابوشناف ،والدراسة الأحترافية للأعمال الشعرية والقصصية للكاتب الأستاذ عمر الككلي .لما سبق السيف كالعادة دائما العذل .فاللكاتب منصور ابوشناف قدرة إلتقاط الخيط الفكري للعملية الأدبية الليبية في سياقها التاريخي.لنعرف الجديد المباح به من قبل هؤلاء الكتاب الشبّان وكيفية تأثيته بنباهة أبوشناف في بيت الثقافة الليبية،والكاتب عمر الككلي هو من يقيم ورشة العمل في فنون الصنعة ليضع كل واحد من الكتاب في مكانه معرفة وحساسيات وجماليات .والكاتبين لهما صلات شخصية ببعض من الكتاب الشبّان ورصد لكتابتهم من بواكيرهم .
سيأخذ هذا الكتاب “شمس على نوافذ مغلقة” مكانه في الرّف مغلّق عليه بقفل اللافهم ورتاجه،وإذا تصادف وقرأناه سنقرأه مثل مانلعب الكلمات المتقاطعة وبدون مفتاح للفهم قد أكون متشائما ولكن الليبية المفارقة علمتني ألا آتفائل وحتى آتشائل .