الطرابلسينو وأنثاه…!
فرج الترهوني
“كيف حدث ووقعتُ في حالة حبٍّ جارفٍ مع بلادِ الله هذه، هذا الموقع الذي يصعُب العيش فيه؟ لكن… الله أكبر!”
هذه المصارحة تصدّرت كتاب الأميركية، أغنيس نيوتون كيث، عن ليبيا، وعنوانه Children of God ، الذي حظيتُ واستمتعتُ بنقلهِ إلى العربية، لصالح “مكتبة الفرجاني” التي عوّدت القارئ على الاهتمام بنشر الأعمال المتعلقة بليبيا… هذا الكتاب سيصدُر في نسخته العربية بعنوان (أهلُ الله) وسيجدُ القارئ في مقدمة المترجم تعليلا لاختيار هذا العنوان، ونبذة عن المؤلفة التي أمضت في ليبيا تسع سنين متواصلة، كانت أكثر من كافية لتقع في حبّ البلد وأهله، ولتُصدر أحكامها، وتدوّن ملاحظاتها بتفاصيل دقيقة ومذهلة، عبّرت من خلالها عن نظرتها العامة للبلاد وأهلها.
المؤلفة التي جاءت إلى ليبيا برفقة زوجها الموظف في منظمة الأغذية والزراعة عام 1955 ولم تمض سوى بضع سنين على استقلال هذه البلاد المصنفة في قاع سلّم الفقر في العالم، تعترفُ بأنها قدِمت إلى ليبيا بنظرة متشائمة، وغادرتها بعد تسع سنين، تحدوها رغبة مستحيلةُ التحقيق، وهي أن تنقل معها إلى مقر إقامتها في كندا، الفيلا التي سكنتها في جورجمبوبلي لتعيد بناءها هناك، وفندق المهاري، وصوت المؤذن وهو يدعو للصلاة – وما شابه ذلك من تذكارات عديدة، إلى جانب اصطحاب أشخاصٍ رائعين عاشرتهم وأحبتهم، من بلاد الله كما تسميها.
تأخذ المؤلفة القارئ في رحلة ممتعة عبر ليبيا التي تجولت فيها بعقلية السائحة المهتمة بالتاريخ والتراث والنباتات والسياسة أحيانا. أغنيس امرأة عطوف، متواضعة، تؤمنُ بالتفاعل مع أهل البلاد، وتدوين ملاحظاتها حول الأشخاص الذين تقابلهم، وفي هذه الجزئية، لها وصفٌ طريفٌ، لا يخلو من حقيقة، للرجل الطرابلسي، أو التريبولينو كما تسمّيه، فتقول:
” جوهرُ طرابلس لم يتغير. فهي تتعلق بـالشخص “التريبولينو” أو الطرابلسي الأصيل، وهو الرجلُ الذي يشعر أنه جزءٌ من مدينته أكثر من وطنه الأم. فهو رجلُ مدينةٍ ومتوسطيّ النزعة ـ نسبة إلى البحر المتوسط. يحب وسائل الراحة الخاصة به، وله مفهومه الخاص للحياة المتحضرة، وهو الشخص الذي تعرّض للتدليل والإفساد من قِبل نساء العائلة بشكلٍ شنيع طوال حياته، مهما كانت درجة فقره. فهو ملكٌ متوّجٌ في بيته. وطوال حياته هناك امرأةٌ تنتظره وتعمل على راحته. عندما كان رضيعًا، والدته تعشق ذكورته، بينما أخواته يقبّلنه ويحملنه طوال الوقت، ويُطعمنه فوق حاجته؛ كصبيّ كان يتسلط على إناث البيت مثل تسلّطِ ديكٍ على دجاجاته. وعندما يصل إلى سنّ المراهقة، ربما يكون قد خاض صراعات مع الأب، لكن الأم والأخوات يكنّ دائمًا على مقربة للتهدئة؛ وعندما يصبح شابًا متزوجًا، تتسلم زوجته دفّة التدليل والإفساد بتعليماتٍ من والدتها. والآن بصفته رجلًا ناجحًا في طرابلس، فهو واثقٌ من نفسه ومتطور، وكسول بعض الشيء، ولطيف أيضا، وغالبًا ما يكون حسنَ المظهر، وعادة ما يكون الآن مهيّئاً تماما وقابلاً جدا للتعامل مع الفتيات الجميلات من جميع الأجناس. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع التريبولينو بشجاعة رائعة، وبحسّ الفكاهة، ومرحٍ طبيعي، وسحر استثنائي.”
وحين يثور سؤال كيف رأت المؤلفة المرأة الطرابلسية، فإنها تجيب بالآتي:
“بالمقابل فإن أنثى التريبولينو تلعب دورًا مختلفًا في الحياة، ولها جانبٌ مختلف. فالجَمال مكوّنٌ أساس من حياتها، بالرغم من أن العالم الخارجي لا يرى هذا الحُسْن، كما تتميّز بالخضوع الأنثوي. لكن ليس مثل الخضوع الأنثوي الآسيوي، بل هو خضوعٌ عربيّ مراوغ: وإذا ما تم إقصاؤها، فإنها تمتلك أسلحتها الخاصة لاستخدامها في الخداع – البكاء والصراخ وجميع حالات الهستيريا، وحالات الحمل الكاذب، والأهواء الغذائية المعقدة، والإهمال المتعمّد للأطفال، ثم الطريقة النهائية للدفاع والانتقام على طريقة ألف ليلة وليلة- وربما مجردُ دسّ شيءٍ ما في شاي الزوج!
الأنثى هنا مستبعدة من الحياة الاجتماعية المختلطة، ومع ذلك فهي تعرف ما يجري هناك أكثر مما يَعرف زوجها (أو يدّعي معرفته!). لديها حقوقٌ محدودة للغاية، لكنها تمكّنت في كثير من الأحيان من شقّ طريقها بجعل البديل لا يُطاق أبدا. دموعها هي سلاحُها الطبيعي ولديها مخزونٌ غير محدود منها. لا يُتوقع منها غالبا أن تستخدم المنطق ولا قوى العقل لديها، لكن التجربة تُظهر أنها تمتلكُ الاثنين. إنّ احتمالاتها الكامنة تفرض الاحترام، وربما حتى الخوف من جانب الرجال، الذين أصبحوا يدركون أن الوضع القديم بدأ يتغير.
بالطبع سيكون للقارئ، وبالأخص الطرابلسينو أو أنثاه، الحكم على مدى صواب أو دقة توصيف أغنيس كيث، هذا!