مقالات مختارة

الصراع الدولي على ليبيا يصل لمرحلة المواجهة

مها محمد الشريف

الدول الغربية تحتاج إلى سبيل جديدة ومتخصصين جدد لاختراع نمط مختلف غير السابق المتبنى في سوريا والعراق، ليكون فاعلاً في ليبيا إذا أرادت الاستقرار والأمن، قبل فوات الأوان. إن على أوروبا إذا أرادت الأمن والاستقرار، أن تتصدى لأفعال دولتين شريرتين في الملف الليبي تهددان أمن المنطقة برمته.

فرنسا تشترك معها أوروبا إجمالاً، وإيطاليا خصوصاً بنقطة مهمة هي الهجرة غير الشرعية من أفريقيا لأوروبا، وليبيا هي الأقرب بحرياً إلى إيطاليا ودول أوروبا، والأمر الثاني الأكثر أهمية أن ليبيا تعد موقعاً مهماً للتوغل بأفريقيا الوسطى، ويعتبر النفط الليبي الأفضل لإيطاليا لأنه خالٍ من الكبريت، ومصافي إيطاليا مصممة لهذا النوع، وكذلك قربها يجعل التكلفة أقل.
في الحقيقة، من غير الممكن أن تكون الحقائق مصممة للتملص من التاريخ، ويمكنها في غضون أشهر كشف المتآمرين، كل هذا جاء من خلال شهود العيان، فهم مصدر المعلومات التي تغذي الواقع، ويبقى مشهد الصراع الحقيقي في ليبيا بين أميركا وروسيا، أميركا تريد قاعدة للدخول لأفريقيا، وروسيا تعزز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، بأن تستهدف السوق الأفريقية، وتريد أيضاً أخذ ورقة مهمة بيدها ضد أوروبا وابتزازها.

إحدى الخدع كانت في عدم إظهار أي قرار ضد تركيا، وهي ترسل المعدات العسكرية والأسلحة الثقيلة والمرتزقة السوريين، وتنقل الدواعش في وضح النهار، وتتبادل سياسياً واقتصادياً مع قطر لتمويل هذه العمليات في وسط المدن الليبية. بينما المجتمع الدولي ينتظر تبخر السحب ليبدأ التحليق الصاخب في سماء الدولة المنكوبة، ففي 12 ديسمبر (كانون الأول) من العام المنصرم 2019 صدر تقرير أميركي عن مخاطر التحالف التركي القطري، ودور البلدين الهدام في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وسلطت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية الضوء على الأعمال التخريبية لأنقرة والدوحة في عدد من الدول.

وذكر تقرير المؤسسة الأميركية الصادر في شهر ديسمبر الماضي، أن ليبيا كانت واحدة من أولى ساحات المعارك التي ظهر فيها جلياً التحالف القطري التركي، مشيراً إلى دعم البلدين للميليشيات المتطرفة. وأوضح التقرير: «أن الصراع بدأ في 2011. وأصبحت قطر أول دولة عربية تعترف رسمياً بمتمردي ليبيا، كما أنها أرسلت المئات من قواتها لدعمهم». ليصل الحال إلى مرحلة متقدمة وأصبحت المواجهة تركية أوروبية.

لا يتسع المجال هنا بطبيعة الحال لأي مناقشة مستفيضة لهذه المؤامرة، وإنما يهمنا في سياق هذه الأحداث الإطار التاريخي لخيانة قطر للعرب، وما تقدمه لإردوغان الذي لم يعد يملك إلا هذه الورقة ليعوض بها خسائره الاقتصادية الداخلية، والمزيد من الخسائر بعد قصف قاعدة الوطية الجوية غرب ليبيا والتي تسيطر عليها عليها حكومة الوفاق، وتدمير منظومات دفاع جوي تركية وأجهزة رادار ومقتل ضباط أتراك. إن المتابع العربي للأحداث السياسية الراهنة سيصدم من كثرة الأطراف المتربصة بهذا البلد العربي.

هل ثمة من يصغي ويرى تلك الآمال الغارقة في الغدر والاحتيال؟ بعد توقيع إردوغان اتفاقية دفاع خطيرة على مستقبل ليبيا مع «الوفاق». مما من شك أنه لا يمكننا في الواقع إيجاد صفة أو مصطلح لإطلاقه على أنظمة شرسة وحكومات مستبدة، لتفعل ما تفعله على مرأى من المجتمع الدولي مستغلة حالة الضعف التي تهيمن على ليبيا.

يبدو أن التخطيط على نطاق واسع بين تركيا وقطر والتلاعب بمصير الدول العربية وإغراقها في الدماء والقتل، وهما تفعلان ذلك منذ عقد من الزمن، ولم يرف لهما جفن من سفكهما الدماء في كل مكان من بلاد العرب.

لقد ساعدت قطر الميليشيات الليبية التابعة لها بكل ما أوتت من مال، بالإضافة إلى أن هذه الميليشيات تسيطر على المصرف المركزي الليبي، فهي توظف المال الليبي لتدمير البلد، وعلى هذا النحو تسير هاتان الدولتان قطر وتركيا وأدواتها لتدمير هذا البلد ونهب ثرواته، وإشاعة الفوضى والصراعات لتنفيذ الدور الموكل لهؤلاء، في ظل تغاضٍ دولي.

وها هم الآن يستعدون للانقضاض على الغنيمة الكبيرة النفط. وإذا ما تمكنوا من هذا فستنقلب ليبيا جحيماً للقتل والدمار.
كل هذا مخيف جداً، لكن الخوف الكبير هو أن يتحول الصراع الدولي على ليبيا إلى مرحلة مواجهة كبرى تسحق فيه أرواح.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى