الريح تداعب شعرها….
فرج عبدالسلام
بدأت القصة عندما أرادت امرأةٌ عادية أن تستمتع بمداعبةِ الهواء لشعرها أثناء القيادة في طريق جبلي، وإن بدا الأمرُ عاديا لكثيرين ومكفولا لأغلب نساء العالم، إلاّ أنهُ محرّمٌ على نساء إيران منذ ثورة الخميني عام 1979. لم تكتف “ماسيه ألينغاد” باقتراف جُرم ترك الهواء يداعب شعرها، بل التقطت صورتها أثناء القيادة في ذلك اليوم ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فأطلقت حركة تمردٍ غير مسبوقة بين الإناث في إيران، تردد صداها في أماكن أخرى.
كانت تلك أقصى أماني الأنثى المكبوتة “ماسيه” في هذه الحياة، ولن نخطئ كثيرا إن قلنا إنها أمنية ملايين المسكينات غيرها في هذا العالم الذكوري.
أطلقت ماسية شعلة الانتفاضة على “المحارمِ” بنوعيها، تلك التي تُجبَرُ على ارتدائها حفاظا على مشاعر المجتمع من شَعر تداعبه الريح، وعلى “المحارم” الأقرباء الذين كلّفهم المجتمع بمراقبة آداب الفضيلة وتطبيق قوانين العفة كما يراها. ومنذ انطلاق الحركة الاحتجاجية ضد الحجاب الإجباري في إيران، انضمت إليها ألوف النساء وهو ما دفع بمناصريها إلى الخروج في تظاهرات غير مسبوقة في شوارع إيران، بعد أن بلغ السيل الزبى كما يقولون، وبدأت النساء في التمرد ونشر صورهن دون حجاب على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار “حريتي السرية”
لم تكتف ماسيه بهذا الجرم، بل أصدرت كتابا بعنوان “الرياح تداعب شعري”، تحدثت فيه عن نشأتها في كنفِ أسرةٍ محافظة في قرية صغيرة وكيف كانت تُجبر على تغطية رأسها، ما ولّدَ لديها شعورا بالظلم الذي تتعرض له المرأة في ثقافتها خلافا لأقرانها الذكور.
حاولت هذه المرأة الشجاعة أن تكون “صوت المقموعات” لأنها جربت لفترة طويلة من حياتها “كيف لا يكون لها صوت” عندما كانت في إيران، كما هو حال الكثيرات في هذا الجزء في العالم. ورغم أن “ماسيه” دفعت الثمن باهظا في سبيل مطلبٍ إنساني بسيط، وهو أن تدع الريح تداعبُ شَعرها، فقد اضطُرت إلى ترك بلدها بعد أن أحالوا حياتها إلى جحيم، إلاّ أن “شر البلية” أنها ما تزال تتلقى سيلا من الشتائم بل وتهديدات بالذبح وشحنها إلى بلدها، لما فعلته من سوء بتحريكها المياه الآسنة ومحاولتها الاستمتاع بلحظات منحتها إياها الطبيعة، بينما رأى قومٌ غلاظ شدادٌ عكس ذلك، مستغلين ما منحته لهم الطبيعة من قوة وبأس شديد.
لم يعد لحكومة الملالي في إيران من شاغل غير التورطِ في سوريا ولبنان واليمن والعراق وغيرها، سوى فرض الحجاب إجباريا، واعتقال المشاركات في تظاهرات “حريتي السرية” وتوّجَت شرطةُ الأخلاق (نعم شرطة الأخلاق) نضالها من أجل عفة المجتمع الفاضل بشريط فيديو يُظهر سَحل امرأةٍ في طهران لارتدائها حجابا يكشف بعض شعرها، وهو الأمر الذي ينتشر حدوثه في إيران.
إنه صراعُ ضيق الأفق ضد مبادئ الطبيعة وفكرة الخلق من الأساس، يخوضهُ من على عقولهم مغاليقُ تمنعهم من التفكيرِ القويم وحرمانِ مكوّن أساس في المجتمع من أبسط الحقوق، وقد خبرت مجتمعاتٌ عديدة مثل هذا الصراع ونجحت في اجتيازه. وعلّنا نتذكرُ هنا أنّ فكرةُ التنظيماتِ المتطرفة مثل داعش تقوم على تشيئ الأنثى وحصرِها في دور إمتاع الذكور فَراشا ومعدَةً، وأن تكون آلة لإنجاب المزيد من المتطرفين.. لكنهم لن يفلحوا.. فريح “ماسيه” أقوى من كل أضغاث أحلامهم لأنهم لا يقرأون التاريخ.