الذكرى العاشرة لمقتل القذافي.. أين كنّا؟
تمرّ على الليبيين اليوم الذكرى العاشرة لمقتل معمر القذافي، الذي استولى على الحُكم بانقلاب عسكري عام 1969، واستمر حُكمه حتى الإطاحة بنظامه ومقتله يوم 20 أكتوبر 2011.
حَكم القذافي البلاد خلال 4 عقود بقبضة أمنية مُحكمة، اتسمت بتدميرٍ مُمنهج لمؤسسات الدولة وإلغاء دستورها، فضلاً عن تقييد الحريات، الخاصة والعامة. وأصبحت ليبيا في عهده مثالاً متكاملاً لحُكم الفرد الدكتاتوري، حيث تغيب تطلعات الأمة وطموحاتها، ويذوب المجتمع برمته أفراداً وجماعات، وكذلك الدولة بكل أجهزتها، من أجل تحقيق آمال القائد الفرد وإنجاز أفكاره وأطروحاته.
شهدت فترة حُكم العقيد أيضاً، كمّاً هائلاً من العنف تجاه المواطنين، وكان نظامه يفخر بأساليب العنف “الثوري”، من تصفية جسدية وإعدامات وتعذيب جسدي ونفسي، لدرجة أنها أصبحت مشاهد متلفزة في ليبيا، وعرضاً للجمهور في المدارس والجامعات والملاعب الرياضية، مما ساهم بشكل واضح في تطبيع العنف بشكل عام في أوساط المجتمع الليبي.
ولعل أسوأ ما خلّفه حُكم القذافي في الثقافة العامة، هو بغض الاختلاف والتنوع، فليبيا كلّها فكرة واحدة، بلون واحد كعَلمها، حيث يتحول الرأي وأي محاولة للتعبير إلى جريمة تستوجب أشد العقاب.
ويتبقّى ما يرويه اليوم مَن لم يعرفوا ليبيا حقيقة في تلك الحقبة، من غير الليبيين، عن ثراء الليبيين ومرتباتهم الضخمة، وتوفر علاجهم ومستشفياتهم، وتعليم مجاني مبهر، ومساكن مجانية وسيارات، وبعثات دراسية للجميع، وكهرباء لا يطفأ لها مصباح، ومياه من الصحراء تتدفق في كل بيت ليبي.
كل هذا – بالطبع – أصبح يُروى بلا خجل ولا أدنى شعور بالشك، حتى على لسان باحثين ومفكرين حول العالم، “ليبيا الجنة الاشتراكية التي تآمر عليها العالم”، نظراً لما تمر به ليبيا اليوم، وما تشهده من فشل على عدة مستويات. لكن هذا التسطيح للحالة الليبية يُغفل الإنسان الليبي نفسه، الذي يملك الحق في التغيير ودفع ضريبة ذلك، مثله مثل أي إنسان آخر في العالم، فأية سيادة لدولة عندما تصادر سيادة المواطن نفسه، وأية حرية تتبجح بها حكومة عندما يفقد المواطن حق الكلام؟
ختاماً، فصل الحقب الليبية عن بعضها، وتجاهل تراكمات الحكاية الليبية كاملة لا يخدم إلا المناكفة السياسية، فحتى ما يجري في يومنا هذا، سيأتي بتراكماته الرديئة، وسيحمّل الليبيون شخوصه المسؤولية مستقبلاً، إلى أن تتوفر الرؤية الناضجة والتي أتيحت لها فرصة اكتساب المعارف والسبل للوصول بليبيا إلى الصورة التي تلبي طموحات مواطنيها.