الدستور يصمد حين يكتبه مواطنون.. بلا مصالح
218TV | خاص
في العامين الأخيرين من العقد الرابع من القرن الماضي كان رجالٌ ليبيون “ثقاة” متحملين أمانة “المسؤولية الأصعب والأخطر” في تاريخ بلادهم التي كانت متناثرة جغرافيا وقتذاك، إذ قبِلوا ب”المهمة القدرية” التي أُوكِلت إليهم، وهي كتابة دستور لليبيا، وهي أدق مرحلة مفصلية يمكن أن تنكب عليها بلاد رزحت تحت استعمار “ثقيل وبغيض”، فكتابة الدساتير أشبه ب”إنشاء دولة” لأن وقائع التاريخ أثبتت أن الدول لا يمكن أن تُدار بلا دساتير، فالدستور هو “أب وأم” كل القوانين، إذ تستمد شرعيتها من الدستور.
عام 1951 كان رجال وطنيين مخلصين يضعون دستورًا ليبيًا، ولم يُفصلوه على مقاس أحد، ولم يحظ الملك فيه بأي امتيازات منفعية، وأظهر كتبة الدستور “حسًا وطنيًا عاليًا بالمسؤولية الأخلاقية” تجاه ليبيا، وقد أُعِدت مواده على نحو “متسلسل ومتصل”، وأظهر معدو الدستور “فهما واسعا بالشأن السياسي والقانوني”، رغم أن تلك المرحلة الزمنية كانت تشهد في أجزاء كبيرة من العالم “الجوع والقحط والحروب والجهل”، إضافة إلى غياب العلم عن أجزاء كبيرة من العالم، إلا للمقتدرين ماليا رغم أنهم أقلية في ذلك الزمن.
ورغم صعوبات المرحلة السياسية وقتذاك إلا أن الرجال الوطنيين لم يتركوا في الدستور ومواده “أبوابا مواربة” لهم أو لمقربين منهم أو لاتجاهاتهم السياسية، وكتبوا “دستورا عالي الجودة” إذ لا تزال شرائح واسعة من الليبيين تعتقد أنه بسبب “فخامة وجودة” ذلك الدستور، فإنه يمكن أن يصلح للتطبيق اليوم مع مراعاة من النوع العادي لمتغيرات العصر، وشكل نظام الحكم.
فرق كبير –يقول ليبيون- بين رجال وطنيين كتبوا دستورًا نزيهًا ومستقيمًا سياسيًا، ولا يزال بعد نحو ستين عاما من كتابته موضع إشادة وثناء مئات آلاف الليبيين، وبين من مجموعات سياسية من “الهُواة” ابْتُلِيت بهم ليبيا في “الزمن الرديء”، ولا زالوا يعجزون جهاراً نهاراً عن وضع مسودة دستور تستطيع أن تُرْضي ولو الحد الأدنى من الليبيين الذين تعرضوا لسلسلة متواصلة من “خيبات الأمل” ب”الطبقة السياسية” الحاكمة اليوم، والتي أتقنت تبديد أموال الليبيين، وأدمنت السفر والعجز السياسي، لكنها تعجز عن الآن أن تضع ليبيا في “مقدمة الأولويات”.