الحرب التجارية على ضفتي الأطلسي
ليونيد بيرشيدسكي
بعد فشلها في إقناع الرئيس دونالد ترمب بأن الرسوم الجمركية العقابية على الواردات الأوروبية ليست بالفكرة الجيدة، قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على ما يبدو، أن تقاوم من خلال سحب صفحة من كتاب قواعد ترمب وتتلاعب بالوقائع.
وصرحت السيدة ميركل خلال مؤتمر لرجال الأعمال من تنظيم حزبها مؤخراً، تقول: «لا تزال الفوائض التجارية يجري احتسابها بطريقة قديمة نسبياً تعتمد على السلع فقط. لكن إن أدرجنا الخدمات ضمن الميزان التجاري، فسوف يكون للولايات المتحدة فائض تجاري كبير مع أوروبا». وهذا يبدو معاكساً لشكوى الرئيس ترمب غير الدقيقة بأن أوروبا تدير فائضاً تجارياً هائلاً مع الولايات المتحدة بفضل ممارسات السوق غير المنصفة. وفي واقع الأمر، فإن الحواجز، من أصناف الرسوم الجمركية وغير الجمركية، تتسق بشكل متساوٍ إلى حد ما، مع أوروبا وفق ميزات طفيفة. والرئيس ترمب ينتقي الاختلالات المحددة في ذلك، مثل رسوم الاستيراد الأوروبية المرتفعة على السيارات. وتفعل السيدة ميركل الشيء نفسه، وليست تصريحاتها صحيحة بالضرورة.
يقدر مكتب الإحصاء الأميركي أن الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا في كل من السلع والخدمات يبلغ 101.2 مليار دولار لصالح أوروبا خلال عام 2017، و30.4 مليار دولار لصالح أوروبا خلال الربع – الفصل الأول من العام الحالي. وليست هناك بيانات أوروبية متاحة في هذا الصدد بعد، ورغم ذلك، فقد اختلفت الأرقام الرسمية الصادرة عن جانبي الأطلسي لسنوات طويلة. ويميل الاتحاد الأوروبي إلى الإبلاغ عن انخفاض صادرات الخدمات إلى الولايات المتحدة عما تصدره البيانات الأميركية في هذا السياق.
ولإثبات وجهة نظرها، تبدو المستشارة الألمانية تستند إلى البيانات التي تتبع التقديرات الأميركية للعلاقات التجارية بأكثر من اعتمادها على الأرقام المتاحة من قبل الاتحاد الأوروبية أو أمناء السجلات الألمانية الرسمية. وعندما يتعلق الأمر بالخدمات وحدها، يضع الممثل التجاري للولايات المتحدة الفائض لدى أوروبا عند مستوى 55 مليار دولار لعام 2016، لكن رقم «يوروستات» (المديرية العامة للمفوضية الأوروبية في لوكسمبورغ) عن العام نفسه مختلف تماماً: وفقاً للوكالة الرسمية الأوروبية، فإن العجز التجاري الأوروبي في قطاع الخدمات مع الولايات المتحدة بلغ 1.3 مليار يورو (أي 1.5 مليار دولار) عن عام 2016. وهذا ليس بالاختلال التجاري الكبير.
وقال ستيفن سيبرت، المتحدث الرسمي باسم السيدة ميركل، في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء، إن المستشارة كانت تشير في تصريحاتها إلى التدابير الأوسع نطاقاً من التفاعل الاقتصادي. وأضاف، إن التركيز لا ينبغي أن ينصبّ على الميزان التجاري، وإنما على الحساب الجاري، الذي يشتمل على الاستثمارات، والدخل من الاستثمار، وغير ذلك من التحويلات الدولية الأخرى. وعلى هذا الأساس، كما قال سيبرت، هناك فائض في الحساب الجاري الأميركي يبلغ 14 مليار دولار مقابل الاتحاد الأوروبي. وتلك البيانات آتية من مكتب الولايات المتحدة للتحليل الاقتصادي. لكنها تتناقض أيضاً مع الأرقام الصادرة عن وكالة يوروستات، التي قدّرت أن الاتحاد الأوروبي لديه فائض يبلغ 170 مليار يورو مع الولايات المتحدة في عام 2017. وتعهدت وكالة يوروستات بمعالجة التناقضات الراهنة مع خبراء الإحصاء الأميركيين.
وبالتالي، فإن السيدة ميركل الأكاديمية ذات الضمير الحي، تشير إلى الرئيس ترمب أن بإمكانهما لعب «لعبة الانتقاء» بالأرقام التي تبدو أكبر كثيراً من قيمتها الحقيقية، واعتبارها من الأدوات البلاغية التي تستخدم لإرضاء القاعدة السياسية والانتخابية الداخلية. وهي تتعامل مع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا باعتبارها منافسة بين الإرادات بأكثر من كونها نزاعاً أكاديمياً.
وتلك بالتأكيد من الإشارات السيئة. فهذا النوع من التنافس سوف يتصاعد بكل تأكيد قبل أن تبدأ الأطراف المتنافسة في البحث عن حلول وسط، وهذا التصعيد يعني أن الحرب التجارية سوف تلحق الأضرار بالكثير من الصناعات على الجانبين، وبالمزيد من العمال في نهاية المطاف، بأكثر مما ألحقت من أضرار فعلياً بكل من أوروبا والولايات المتحدة. وسوف يكون من الأفضل كثيراً بأن نترك خبراء الإحصاء يعملون على حل خلافاتهم الرقمية أولاً، بحيث يتسنى للجميع، على الأقل، العمل وفق مجموعات الأرقام نفسها الصادرة عن الجانبين – لكن ربما يكون الأوان قد فات على ذلك.