الحال هذا النهار
سمير عطا الله
الجريدة العربية الوحيدة التي لا أزال أقرأها ورقياً هي «الشرق الأوسط»، أي في رؤية كاملة، غير مجزأة، كما هو الحال الإلكتروني. والفرق بين الصيغة الورقية والصيغة الإلكترونية، أن الأولى أفق شامل، من العنوان الأول إلى الكلمات المتقاطعة وأخبار المجتمع. مثل الصيغة الإلكترونية، لست مضطراً لقراءة كل شيء، لكن بعكسها أنت «ترى» كل شيء من صور وعناوين وكتابات تقدم لك صورة العالم الذي تعيش فيه ضمن إطار واحد.
لنأخذ عدد الثلاثاء 11 أبريل (نيسان) نموذجاً لما يجب على الإنسان العربي أن يعرفه كل يوم: أولاً، «داعش»: تفجيرات الكنائس وجنازاتها في مصر، معارك مخيم عين الحلوة في صيدا. جنازات ضحايا الدهس في السويد. جبهة الموصل. جبهة بغداد. ريف الرقة. سجن مراهق داعشي في ألمانيا. اغتيال سياسي في الصومال.
على الصعيد السياسي: وزير خارجية أميركا في موسكو للبحث في قضايا لها جغرافيا واحدة، من ليبيا إلى خان شيخون. انتخابات فرنسية وعدة مرشحين لديهم أولوية واحدة: خطر الإرهاب على البلاد. وفي «صفحات الرأي» موضوع بأقلام كثيرة، طليعتها قلم عبد الرحمن الراشد، وحبر المعرفة وأفق الرؤية وذروة المهنية، سواء كنت على يساره أو على يمينه أو في الجهة الأخرى.
تشكل هذه الصورة العامة في خلاصتها، أن حرباً عالمية تخاض عندنا من دون إعلان رسمي عنها. وجميع القوى عاجزة عن حسمها. وعندما تنتهي هذه الحرب، لا أحد يعرف ماذا سيكون شكل المنطقة التي يحرث في ترابها شبح التقسيم، ومنفاخ الحقد، والفرقة، وشهوة الدم. أيضاً على مدى الخريطة، أي من ليبيا إلى سوريا مروراً بالعراق. وخريطة الدمار النفسي والمادي والوطني والقومي، واحدة أيضاً، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر. ومن النهرين إلى البحرين. ومن الدولتين بمعنى فلسطين وإسرائيل، إلى دولتين فلسطينيتين على الأقل، جميعها خارج فلسطين.
هل هناك ضوء في هذه اللوحة السوريالية المعتمة؟ سوف تدخل بريطانيا على منهاج «الثانوية العامة» السنة التعليمية المقبلة، مؤلفات «آن راند» الأميركية الروسية التي شهدت ما فعلته الثورة البولشفية بالفرد، وبروسيا، وبالإنسانية، فنادت بالإنسانية: أن يطور كل إنسان نفسه وعائلته ويهتم بسعادتهم.
«ثوارنا» أرادوا إسعادنا جميعاً في خطاب واحد، ويوم واحد انطلاقاً من ثكنة واحدة لم تربح حرباً واحدة. الحل في أن نعيد بناء أبنائنا. أن نعلمهم أن الرضا ليس خطيئة، والعلم ليس هدراً، والموت ليس حياة، ولا وطناً ولا أمّة. لقد كسروا جميع أحلامنا، وكسروا نفوسنا، وكسروا كراماتنا، وها هم المفوضون الساميون الجدد يتنقلون بيننا بجزمات ثقيلة بلا حساب.. .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية