التونسي “محمد البوعزيزي” وبعده بسنوات المغربي “محمد فكري”، كلاهما مات من أجل قوته وقوت أسرته، لكن “ولاعة” البوعزيزي التي استخدمها في إشعال جسده المغطّى بالبنزين لم تكتفِ بإشعال جسد الشاب التونسي، بل يظن الكثيرون أنها أشعلت المنطقة بأسرها، إذ لن ننسى وقتها أن احتجاجات ومظاهرات وقعت حتى في “الجزائر” و”المغرب” بالتزامن مع الأحداث في تونس، مصر وليبيا، لكنها لم تكن قوية بما يكفي لإغراق البلدين في الفوضى التي طغت على الدول الأخرى في الشمال الأفريقي.
ولم تعُد طريقة بائع الخضار التونسي في الموت غريبة أبدا على شعوب المنطقة، إذ سار على دربه الكثيرون، وما حملُ شباب تونس والجزائر والمغرب وحتى ليبيا لأرواحهم على أكفّهم والسفر عبر المتوسط إلى المجهول الذي نادرا ما يكون وصولا ناجحا وعيشا كريما على شواطئ أوروبا، إلا ترجمة للواقع الذي يساوي في الكثير من صوره بين الحياة في ظل البطالة والفقر أو الموت غرقا في عرض البحر.
لكن الصورة القاتمة التي رسمتها ثورات “البوعزيزي” كما يسميها البعض، جعلت الكثيرون يحجمون عن أي تصرف قد يحمل معه الفوضى السياسية والأمنية، لذلك أصبح من يموتون على درب البوعزيزي لا يجنون شيئا إلا خسارة أرواحهم الرخيصة أصلا على مجتمعاتهم، وهذا تماما ما حدث في العام الماضي عندما مات المغربي “محسن فكري” سحقا في حاوية نفايات عندما حاول استرداد بضاعته من السمك الذي صادرته السلطات بحجة عدم مشروعية صيده.
وكانت السلطات في المملكة اعتقلت نشطاء تظاهروا في الرباط عقب مقتل “فكري” أواخر “أكتوبر” الماضي، ولازال بعضهم محتجزا حتى الآن، ما دعا عشرات المغاربة إلى التظاهر أمس السبت في العاصمة في الذكرى الأولى لمقتل “فكري”، وردد المتظاهرون أمام مبنى البرلمان شعارات منددة بالفساد وباستمرار حبس النشطاء الذين تظاهروا العام الماضي في عدة مناطق من البلاد وخاصة في إقليم الريف شمال البلاد ولا تزال مستمرة لتتحول إلى مطالب اجتماعية واقتصادية بتنمية الإقليم.
وكان ملك البلاد “محمد السادس” قرّر الأسبوع الماضي إعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين من مناصبهم على خلفية تعثر مشروع لتنمية مدينة الحسيمة كانت الحكومة قد أعلنته في أكتوبر عام 2015 أي قبل عام من مقتل فكري واندلاع الاحتجاجات، ليعتبر مؤيدون لهذه الخطوة إنها تضع حدا للفساد وتظهر الحزم ، وتعلن بدء عهد جديد في التعامل مع المفسدين والرد على مطالب المواطنين.