“التكنولوجيا” تقتحم تفاصيل “البيت الليبي”
218tv.net خاص
أحلام المهدي
أبوابٌ موصدةٌ في المدن، تجعلها طرْقاتٌ خفيفةٌ من الخارج تُشرع أبوابها في وجه القادمين إليها، ويضع العصر لمسةً خفيفةً له في الأمر أيضا، فيَحضُر “الجرس الكهربائي” الذي يكون صوته كافيا لفتح الباب أمام كل من يريد الدخول، لأن لا أحد سيطرق بابك إن لم يكُن قريبا أو صديقا أو جارا.
في القرية يختلف الأمر كثيرا، فالأبواب لا توصد هناك، بل إن البعض يعتبر إغلاقها نذيرا بِسَدّ كل الأبواب في الحياة، فالبابُ مفتوحٌ أو موارب، ويكفي من يريد الدخول أن يطرق الباب أو حتى ينادي على من بالداخل من “عرب الحوش” حتى يسمع الجواب والإذن بأن “يتفضّل” بالدخول.
البابُ إذا هو الفيصل، يحجب من بالداخل ويربطنا مع من بالخارج، لكنه صار وهميا الآن، فأبوابنا في أيدينا، ولن يطرق بابك أحدٌ إلا إذا كنت تعلم مسبقا بحضوره، سيتصل بك هاتفيا أو يرسل لك “رسالة” إلكترونية ليخبرك بقدومه، وستسمح له بالزيارة إن كنت جاهزا لها، وتمنعه منها إذا لم تكن كذلك، وإن حدث والتقى البعض فإن التكنولوجيا تشتّتهم، فيتحدثون إلى من في العالم الافتراضي أكثر من حديثهم مع من يشاركونهم الواقع.
إيجابياتٌ كثيرة في الأمر، فبوجود الاتصالات لن يمزّق أحدٌ روزنامتك، لن تمنعك زيارةٌ طارئة لصديق من حضور مباراةٍ أو مسلسل انتظرته نهارا كاملا، ولن يُحرجَك جيبُك الفارغ أمام قريبٍ فاجأك بزيارة لم تنتظرها منه، هذا يجعل الحياة أكثر تنظيما في نظر البعض، لكنه يزعج البعض الآخر، يضايق من اعتادوا على ترك أبوابهم مفتوحةً ولم تستسِغ أذواقهم أو تربيتهم بعد دلالة الأبواب الموصدة، لن يؤثّر الأمر كثيرا على من لم يخلُ مطبخه يوما من “وجبة الضيف” التي يؤثِر بها ضيفه على نفسه وأهل بيته، ولا يقترب منها أبدا مهما احتاجها، لن تكف عجلة العصر عن الدوران، ولن يتوقف أخطبوط التكنولوجيا عن مدّ أذرعه إلى كل زوايا حياتنا، سيجلب لنا الراحة والرفاهية أحيانا، وسَيئِدُ بعض تقاليدنا الخاصة أحيانا أخرى، ولن نملك شيئا غير استقباله والسّعي إليه ما استطعنا.