التشكيلات المسلحة في طرابلس.. نفوذ متزايد وتحالفات متغيرة
تلعب التشكيلات المسلحة دوراً محورياً في الصراع الدائر للظفر بالسلطة والنفوذ، في ليبيا عامة، وطرابلس خاصة، فالأخيرة تعد مركز ثقل سياسي واقتصادي وسكاني في البلاد، وفيها تتركز المؤسسات السيادية الأهم، الأمر الذي يجعل السيطرة عليها ومباشرة المهام من داخلها مسألة شديدة التعقيد، مع انتشار تحالفات عسكرية مختلفة الولاءات والأيديولوجيات متوزعة في أحيائها ومحيطها، يجعل التوصل إلى صيغة توافقية بينها أمراً مستبعداً، وهو ما ظهر جلياً في محاولة رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا ممارسة مهامه الحكومية من طرابلس، رغم ما تسرب عن ترتيبات وتفاهمات استبقت دخوله المفاجئ في 17 مايو الجاري، حيث خلقت محاولته حالة من التوتر الأمني والاشتباكات المحدودة، التي كادت أن تنزلق بالوضع الأمني في العاصمة، لولا الاتصالات التي قادها اللواء 444 قتال وآمره محمود حمزة وانتهى بخروج باشاغا من العاصمة وتهدئة الوضع.
حادثة سلطت الضوء بقوة على ثقل التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس والتحالفات التي تدار في الخفاء بينها، لتعزيز نفوذها وتقوية سلطتها وهو ما استشعره المجتمع الدولي والبعثة الأممية التي دعت قادة هذه التشكيلات لاجتماعات تناقش مستقبل البلاد في مونترو السويسرية، برعاية مركز الحوار الإنساني وما تردد عن اجتماعات مشابهة تحتضنها المغرب، في تغيير لافت في آليات إدارة الصراع الليبي من طرف البعثة الأممية التي استنتجت أهمية اشراك التشكيلات المسلحة في أي تسوية سياسية، بعد تجربتها السابقة التي اعتمدت خلالها على نشطاء وفاعليين جهويين ضمن لجنة 75 المتعلقة بملتقى الحوار السياسي الليبي.
نجاح الدبيبة في نسج تحالفات عسكرية قوية عبر رصد وتسييل مبالغ مالية طائلة لأجهزة وتشكيلات مسلحة وتأسيس قوة تحت مسمى دعم الدستور والانتخابات، مستغلاً صفته كوزير للدفاع وعلاقته التي بدت وثيقة مع محافظ مصرف ليبيا المركزي دفع منافسه باشاغا لاستخدام ذات الأدوات التي استخدمها الدبيبة في استمالة قادة هذه التشكيلات، عبر عقد لقاءات مكثفة في تونس نتج عنها تفاهمات ضمنت ولاء قادة وازنون كاللواء أسامة الجويلي قائد الاستخبارات العسكرية ومصطفى قدور آمر القوة الثامنة النواصي الذي استضاف وأمن دخول باشاغا الأخير، لتتشكل خارطة تحالفات جديدة على الأرض قد تقود لتقسيم العاصمة لمناطق نفوذ متوازية ومنقسمة بين الدبيبة وباشاغا.
نفوذ سعى طرفا الصراع لاستعراضه قبل أيام في طرابلس عبر تحشيدات وتنقلات عسكرية ضمت مدرعات وعتاد عسكري لقوات تابعة لمدينة الزنتان، وموالية لكل من الجويلي وعماد الطرابلسي في مواجهة تحركات مماثلة لقوة دعم الدستور الموالية للدبيبة، أراد خلالها الطرفان تبادل رسائل القوة والنفوذ إلا أنها تظل برأي مراقبين بعيدة عن المواجهة مع حرص باشاغا على عدم التورط في أي نزع يجلب له الانتقادات المحلية والدولية ويضعف شعار الاستقرار الذي يرفعه.
وتبقى الأوضاع في طرابلس مرهونة بتطورات المسار السياسي وبجهود الأمم المتحدة في دفع الأطراف المحلية نحو التوافق على القاعدة الدستورية، مع عزم باشاغا ممارسة مهامه من سرت واستمرار الدبيبة في العمل من العاصمة، في ظل أزمة سياسية واقتصادية يخيم عليها تواصل غلق بعض الحقول والموانئ النفطية والانقسام الدولي في مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، مع إصرار المستشارة الأممية ستيفاني وليامز على تحقيق اختراق في 11 من يونيو الجاري مع انطلاق الجولة الثالثة من المشاورات الليبية في القاهرة.