التباري في السوء
عمر أبو القاسم الككلي
في مسار الحياة ترتبط حياة المرء منا بحياة أناس آخرين لفترات تقصر أو تطول، بعض هذه الارتباطات تكون مفروضة عليه، وبعضها يكون باختياره.
من أنواع الارتباطات الأولى الأسرة. فالمرء لا يختار أمه وأباه وأخوته وأخواته وأقاربه. وكذلك زملاء الدراسة والمدرسين وزملاء العمل. فهولاء جميعا لا يتاح للمرء اختيارهم. ولا يتاح له، إلا نادرا، اختيار جيرانه في السكن.
لكن يتاح له اختيار أصدقائه واختيار شريكه في علاقة الزواج (في التطورات الاجتماعية الحديثة، طبعا).
والواقع أن المرء قد يتعايش في الأسرة والمدرسة والعمل والجيرة والصداقة والزواج، مع أناس يحفزونه (كي لا أقول يضطرونه) إلى إبراز أفضل ما فيه، ويظل يتنافس معهم في أن يكون أفضل منهم. في ليبيا نقول: أناس يكرهونك في نفسك. لأن المرء يكتشف عندها كم هو متخلف أخلاقيا وعقليا عنهم. وأحيانا يحدث العكس، بحيث يكونون من السوء إلى درجة يضطر فيها إلى إبراز أسوأ ما عنده، ويتبارى معهم في بلوغ درجات أعلى من السوء.
وهنا يكون ابتعاثه لأسوأ ما فيه سلاحا إيجابيا، وليس نقيصة. لأنه إذا تجاوز سوء الطرف الآخر حد السوء الذي يمكن احتماله والتسامح معه، تصبح مواجهة السوء بسوء مثله منهجا إيجابيا وفعلا ضروريا مشروعا، مثلما يحدث في حالة المقاومة والدفاع عن النفس في حالة العدوان الحربي.
في حالات الصداقة تحدث الخلافات لأسباب مختلفة، منها التشارك في عمل تجاري، أو الانتقال إلى الجيرة، أو العمل في مكان واحد وأن يكون أحدهما رئيسا للآخر، أو مشاركة السكن في بيت واحد أو في حالات الترافق في سفر.
أما في حالات الزواج، فالمسألة أكثر تعقيدا. لأن العيش المشترك المباشر (المعاشرة) يكشف عن اختلافات في الطباع لا تظهر في الظروف العادية، ومهما كانت هذه الاختلافات تبدو بسيطة غير ذات شأن، إلا أنها، في مثل هذه المعاشرة، تكون بالغة التأثير وقد يتوقف عليها استمرار الحياة المشتركة من عدمه، بحيث يكون الخلاص الحقيقي في الانفصال.