الافتتان والانبهار
عمر أبو القاسم الككلي
لأسباب متعلقة بطبيعة مكان السكن وموقعه، لم تتح لي في حوالي السنوات الثمانية الأولى من عمري إمكانية لعب كرة القدم، أو أية كرة.
بعد الانتقال إلى منطقة سكن تتوفر فيها هذه الفرصة، لم يكن قبولي في فرق اللعب مرحبا به، لانعدام الحد الأدنى المطلوب من المرونة والمهارة في هذه اللعبة.
في السنة الثانية من الدراسة الابتدائية كنت أقوم بدور حارس المرمى لفريقي، وكانت مهارتي معقولة في هذا الجانب (كانت لدي القدرة على التلقي وصد ضربات الخصم، لكن كانت لديَّ الرغبة في أن أخوض المعمعان وأن أكون فارسا مهاجما وهدافا).
وحتى بعد تجاوزي فترة الطفولة، كنت أقبل في فرق اللعب عادة لمجرد إكمال العدد. وحين ألعب لا أحد من أفراد فريقي يمرر لي الكرة لأواصل اللعب، ونادرا ما نجحت في افتكاك الكرة من بين قدمي لاعب خصم، ولا أذكر أنني سجلت هدفا!
وبذلك كان عليَّ، احتراما لنفسي، إلغاء موضوع لعب كرة القدم من ذهني.
انعكس هذا على انعدام الحماس والاهتمام بأخبار مباريات كرة القدم وحضورها، أو حتى متابعتها في التلفزيون، بما في ذلك مباريات كأس العالم!.
تعجبني لعبتا التنس الأرضي وتنس الطاولة، فيهما رشاقة تلفت نظري. مارست الأخيرة بدرجة ما، وكنت مهارا في الإرسال بحيث تقع الكرة على حرف الطاولة! ولم أكتسب غير هذه المهارة!
تعجبني، بشكل خاص، رياضة الجمباز. وقد مارستها وأنا طفل في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي ووصلت فيها إلى الدحرجة والقفز من فوق الحصان الخشبي والوقوف على الرأس والسير كالعقرب!.
لعبة الجمباز تمثل لديَّ، أكثر من أية لعبة سواها، جماليات الجسد البشري وإمكانيات التحكم فيه وتطويعه. إنها لعبة تتجسد فيها المرونتان والجسدية والعقلية. هي تختلف عن ألعاب السيرك التي تتجسد فيها قدرات مذهلة. لأنه في حركات الجمباز يتجلى جمال الجسد ومرونته ورشاقته. الجمباز فن، بالمعنى الجمالي. أما ألعاب السيرك فهي فن، بالمعنى الحرفي. حركات لعبة الجمباز تخاطب الذائقة الجمالية، أي الافتتان. أما ألعاب السيرك فتخاطب الدهشة، أي الانبهار. الجمباز استعراض لرهافة الجسد. لذا يكون أساسا لبعض أنواع الرقص، أبرزها الباليه الذي يكون للمرأة فيه الدور الأبرز. أما ألعاب السيرك فهي، في الكثير منها، تستعرض القدرة على المخاطرة. ربما لهذا السبب تمهر النساء أكثر في لعبة الجمباز، ويمهر الرجال أكثر في ألعاب السيرك.