الأزمة الليبية وبيضة كولومبس؟!!
بلقاسم قزيط
الأزمة الليبية بالنسبة للعارفين ينطبق عليها ما قاله القديس أوغسطين عن الزمن: “إذا لم تسألني فأنا أعرف، وإذا سألتني فأنا لا أعرف”…. هي لكن بالنسبة لغير المنخرطين في الشأن السياسي أزمة سهلة لا تحتاج إلا إخلاص النية.. والبعض من عامة الناس أو من النشطاء لديه حلول عديدة وليس حلاً واحداً حاله بحال الدول الكبرى دائماً هناك أكثر من سيناريو للحل… هناك البعض الحل في مخيلته مثل أسطورة بيضة كولومبس وهي تقال أحياناً عن حل بسيط للغاية وغير متوقع لمشكلة صعبة ومعقدة.. الأزمة الليبية اليوم ليس لها حل بسيط، يغفل عنه الجميع ويسهل الوصول إليه ويسهل تنفيذه على الأرض.. مشكلتنا أصبحت ذات طبقات متعددة وغياب البصر والبصيرة لذي بعض الفاعلين في مشهدنا.
السياسي جعلهم يستدعون من التاريخ كل أسباب الخلاف التي يعود بعضها لمئات السنين، ولم يترددوا في توظيفها في مناكفاتهم السياسية فأصبح الليبي اليوم يعيد معايشة صراعات القرن الثامن عشر والتاسع عشر مَن حارب من، ومن دفع الميري ومن لم يدفع، وانحدرنا بالأصول إلى قحطان وعدنان وقضاعة، عرب وعجم، من جاهد الطليان ومن لم يجاهد، ومن جاهد صادقاً ومن يشكك في صدقه.. أما جرح فبراير فما زال جرحاً ينكأ كل يوم… الأمم تقوم على ذكريات مشتركة ونسيانات مشتركة كما يقول المفكر (أرنست رينان)، أي أن الذاكرة الوطنية تُبنى بشكل انتقائي لكن طبقتنا السياسية تقوم بعكس قول رينان تماماً ما يجب نسيانه يوضع في بؤرة السجال السياسي، وما ينبغي تذكره يُرمى في جب النسيان. وما يزيد الطين بلة التدخل الخارجي غير المسبوق في تاريخ ليبيا القريب والبعيد.. الجيران الأقارب والأغراب الأباعد، دول عملاقة ودول قزمية.
الجميع يدس أنفه في أزمتنا وأصبح حساب المصلحة الليبية يتراجع أمام حساب مصالح الدول المتدخلة في بلدنا، لأنها صاحبة الكلمة العليا في ليبيا عن طريق مجموعة من الوكلاء الذين استقووا على بني جلدتهم بدعم هذه الدول… وأصبحوا مخلب قط، بل خنجراً في خاصرة بلدهم لا يعترف الهؤلاء بأنهم إمّعات لدول أخرى، وحتى تكون الخيانة مرفوعة الرأس وبضمير مرتاح، لا تمل زعاماتنا في ذكر مناقب هذه الدولة أو تلك كلٌ حسب الممول والداعم السياسي، والقول إن جماعته لا هدف لهم إلا استقرار ليبيا، والذي هو في الواقع قد يكون آخر أهداف الدول المتدخلة في ليبيا… الدول كبيرها وصغيرها من يتكلم لساننا ومن له لسان آخر يحكمها منطق المصلحة ولا شيء آخر وهذا ليس عيباً، فهذا هو منطق العلاقات الدولية، وعلينا أن نحقق مصالحنا ومصالح غيرنا هكذا هي السياسة وهكذا الحياة في نهاية المطاف.
في حديث مع سياسي ليبي بارز قال إنه لا يسعى للسلطة ولكنه فقط جاء لإنقاد ليبيا، وقال آخر بارز وطامح إنه لا يوجد من يرتقِ الخروق ويخيط ما تمزق في ليبيا إلا هو وحده لا غيره ولا شريك، الطموح هو أكسير السياسة لكن الوهم هو سمها الزعاف.. عملية إنقاذ ليبيا اليوم ليست مناط بطل ما أو فارس يحيي القبيلة الليبية، وعملية بلسمة الجروح وترقيع التمزقات لا تحتاج بطلاً بجهد فردي بل تحتاج جهداً جماعياً ووعياً باللحظة التاريخية واقتناص ظرف دولي موات وتحويل ليبيا إلى سيدة على أرضها، وهذا لا يحققه بطل منفرد إنما نخبة سياسية تعي خطورة اللحظة التاريخية وتدرك عمق تباين المصالح التاريخية الخارجية وتقاطعاتها، وتدرك أيضاً مصالح الدول وعقدها وأوهامها السياسية وإرثها السياسي والمبادئ التي تحكم سياستها الخارجية ومن هم حلفاء من ومن أعداء من، لذلك في كل خطوة تحتاج معالجة عدد كبير من المتغيرات السياسية وكيف تتفاعل مع بعضها، وأيهم متغيرات مهيمنة وأيهم متغيرات تابعة، لذلك فإن قيادة ليبيا في هذه المرحلة يجب أن تكون قادرة على قراءة المعطيات كافة.. وهذه طبيعة المأور فعندما تكون الأمة في أزمة تحتاج إلى قيادات تاريخية، وقبل ذلك وعياً وطنياً بالأزمة وإرادة الخروج منها.. لا حل سهلاً للأزمة ولا حل حاسماً ونهائياً، نحن بحاجة إلى خطوات متدرجة تصل بنا بعد سنوات أو عقد من الزمان إلى الاستقرار المنشود، أما الحكومات التي نأتي بها ونطلب منها إنجاز انتخابات برلمانية ورئاسية مختلف عليها من 8 سنوات ونطالب بإنجازها في 8 أشهر ونتغافل عن أن ما يعيق الانتخابات هو عدم الاتفاق على قانون للانتخابات بين القوى السياسية والأجسام التشريعية، نطالب بحل المليشيات ودمجها وتكوين جيش واحد، وأيضاً هذا العمل إطاره الزمني من عمر الحكومة وهي عام ونصف كحد أقصى، كذلك مطلوب منه مروحة متنوعة من المهام الغاية في الأهمية والصعوبة من المصالحة إلى إعادة المهجرين إلى تعويض شهداء الحروب المتكررة.. إلى إعادة الإعمار وضبط بوصلة السياسة الخارجية الهوجاء وتحول بعض سفرائنا إلى سماسرة ونصابين، وإنجاز حلول اقتصادية لسلسلة من المشاكل ورث بعضها من النظام السابق… كمواطن ليبي سأكون في غاية السعادة إذا حققنا كل هذه الأهداف بعد عشر سنوات، أما أن تكون مهام حكومة عمرها أشهر، فهي مهمة سيزيفية تعصى على الإنجاز، إلا أن يكون الفريق الحكومي لديه عصى موسى أو مصباح علاء الدين، أي حكومة لا تكون على قاعدة توافق وطني ودولي واسع وراسخ يقودها فريق سياسي يعي الظرف الحرج لليبيا اليوم ويعطي إطاراً زمنياً كافياً، يكون مطلوب منه فقط إنجاز بعض الأهداف وليس كلها أو المضي بشكل واضح ومحسوس في الأهداف قاطبة حتى يسلم لفريق آخر يواصل المسير بعد وضع القطار على السكة وقطع مسافة باتجاه الأهداف الكبيرة.. دون ذلك ستكون حكومة شبيهة بكل الحكومات السابقة وربما أسوأ حالاً.