الأراضي الليبية.. “برمودا” المهاجرين من “البشر” ومن “الطيور”!
خاص .218tv.net
أحلام المهدي
عندما تنعدم وسائل الاستثمار للموقع الجغرافي الثمين على هذا الكوكب، فإن هذا الموقع لن يكون نعمةً لمن يعيش عليه، بقدر ما سيكون لعنةً تصيب كل من يقترب منه، إنها “ليبيا” هذه المساحات الشاسعة الممتدة بين الماء والصحراء، لتكون مسرحا عظيما لحياة الكثير من الكائنات، فعاش فيها الليبيون الأوائل لتمنحهم كل مقومات الحياة من ترابها وهوائها، فما الذي جعلها توزّع جرعات الموت على كل من يقترب منها من كل الكائنات؟
لم يضع الموت لمسته فقط على البشر العابرين على أرضها طلبا للحياة على الجانب الآخر من العالم، بل طال كل الكائنات التي قررت المرور على أرض ليبيا والتحليق في أجوائها.
إننا في أواخر “سبتمبر”، الموسم السنوي لهجرة الطيور من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، هربا من زمهرير شتاء الشمال وطلبا لدفء الجنوب، لتستمر هذه الظاهرة الطبيعية العالمية حتى “أكتوبر”، فيما عرف في الأراضي الليبية بموسم الصيد، إذ يصبح أكثر من “400 كم” من أرض ليبيا وجهة لرحلات الصيد والقنص المكثفة، ليتجهّز الجميع لهذا الحدث الذي لا نستطيع إنكار أهميته في الموروث الشعبي الليبي، حتى أن عائلاتٍ بأسرها كانت تعيش على ما يوفره لها الصيد من موارد، حتى عندما كان يُمارَس بأدواتٍ بدائية بسيطة.
أعدادٌ هائلةٌ من الطيور تفوق الأربعين ألف طائر مائي، إضافة إلى ما يقارب “65” نوع من الطيور غير المائية، بما فيها اليمام والإوز وطيور السمّان و”الصقور”.
وتزور ليبيا في مثل هذا الوقت من كل عام، لكنها بعد الانفلات الأمني المستشري في البلاد منذ سنوات، صار هؤلاء الضيوف يواجهون الأسلحة الحديثة والمتطورة التي لا تخضع لسلطة الدولة أو رقابتها، ليتحول موسم الهجرة هذا من تجهيز لمحميات استقبالها ومحاولة الاستفادة من وجودها بكل السبل المتاحة، باعتبارها نمطا سياحيا خلابا ومظهرا طبيعيا جديرا بالمراقبة والاستمتاع، إلى بحيرات من الدم تغرق فيها الأجساد الصغيرة لبعض الطيور، فيما يشبه المقابر الجماعية.
إن “الصقور” التي يقطع الصيادون آلاف الكيلومترات في الأراضي الصحراوية والوعرة تتمتع في هذا العالم بوضعٍ خاص، إذ أعلنت المنظمة العالمية للثقافة والفنون “يونيسكو” أنها ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي، وليبيا تأتي ضمن “59” دولة في العالم تقصدها الصقور لقضاء فصل الشتاء، لكن الكثير منها تكون ليبيا رحلته الأخيرة في الحياة، لينتهي ببندقية صيّاد أرعن يجد متعته في القتل لأجل القتل، حتى يلتقط صورة تخلده وسط كومةٍ من ضحاياه، وهو يبتسم متأبطا سلاحه اللعين.