“الآبري” ورمضان السودان
"محمد العجمي"
ما إن يؤذن أذان المغرب حتى تظهر الكؤوس ممتلئة بعصير الآبري الشهي، موضوعاً بها الثلج، لتروي ظمأ الصائمين.
الآبري أو ما يعرف أيضاً بـ(الحلومر)، مشروب شعبي سوداني، يصنع خصيصاً في رمضان، لكن ذلك لا يجعله حكراً على الشهر الكريم، فيشرب حتى في الأيام العادية.
وأتت تسمية الحلومر من الطعم المميز لهذا العصير الذي يجمع بين الحلو والمر.
وينتشر الأبري في جميع أرجاء السودان، لكن تقول الحكايات الشعبية أن أصله تحدر من شمال السودان لينتشر بعد ذلك إلى أقاليمه الأخرى.
عملية صناعة الآبري عملية طويلة تستغرق عدة أسابيع إذا ما أرادت صانعته التفنن في صنعه.
يصنع عصير الآبري من الذرة مضافاً لها بعض البهارات، حيث توضع حبوب الذرة على الخيش أو على سفر مملوءة بالتراب ويرش بالماء لأيام عدة حتى ينبت وتعرف هذه العملية (بالتزريع)، بعد ذلك توضع الحبوب التي أنبتت في الشمس حتى تجف.
تطحن الحبوب بعد أن يتم تجفيفها، ثم يتم عجنها مع مجموعة من البهارات المحلية أهمها العود الأحمر المعروف بالـ(الغرنجال)، والزنجبيل، والكركدي، والحلبة، والقرفة، والحبهان (الهيل)، وبعد ذلك يوضع العجين لمدة يومين حتى يخمر.
تأتي بعد تخمير العجين مرحلة خبزه، وتعرف هذه المرحلة بال(العواسة)، حيث يتم تشكيله على شكل أقراص، ويطبخ على صاج (قطعة دائرية من الحديد) وعلى نار قوية، بعد خبز الأقراص توضع في الشمس حتى تجف.
تحفظ الأقراص في أواني، وعندما يراد تحضير العصير تنقع في ماء لمدة ساعة أو اثنتين، وتصفى ثم يضاف إليه السكر ويشرب بارداً.
صناعة الآبري في الأزمان السابقة كانت عادة منتشرة في جميع البيوت السودانية، لكن مع تغير نمط الحياة بشكل كبير أصبحت تنحسر شيئاً فشيئاً فصارت مهنة تجارية تكتسب منها بعض النساء اللائي حافظن على هذه الصناعة.
ولم تتوقف صناعة الآبري على داخل السودان فحسب، بل انتقلت كذلك إلى المهاجر فأصبح الحلومر يحضر في الموائد الرمضانية للسودانيين المغتربين.
وتأتي شعبية هذا العصير وانتشاره في السودان لقدرته الكبيرة على إطفاء العطش وذلك شيء مهم جداً في مناخ السودان القائظ خصوصاً، إضافة لطعمه المميز الذي لا يوجد له شبيه بين العصائر الأخرى.
وبرغم التغيرات المعيشية لازال السودانيون يحاولون ألا يغيب هذا المشروب الجميل عن موائدهم الرمضانية، ليظل عادة متوارثة عبر الأجيال تميز شهر رمضان في السودان دون غيره.