استيته يتحدّث لـ”218″ عن مسيرته في الترجمة وأهداف الأدب النبيلة
خاص 218| خلود الفلاح
السنوسي استيته: مترجمٌ ليبيٌ، جامعة بنغازي، يحمل دبلوم عالي (1972) من أكاديمية الفنون الجميلة، روما، منذ العام 2012، وإلى الآن، مُتعاون مع قسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة بنغازي، يؤمن بأنّ الفنون والآداب قادرة على إحداث تغيير ولو على المدى الطويل، ولابد للمترجم أن يترك بعضًا من روحه بين ثنايا النصّ الذي يقوم بترجمته.
– ترجمتك لكتاب قصة الألوان لأستاذ تاريخ العمارة والفنون الجميلة مانْليو بروزاتين. هي الأولى عربيًا، ما الذي دفعك لهذه التجربة؟
* هي الأولى التي نُشرت لي، فقد سبقها كتابان سأتحدث عنهما لاحقًا، أمّا ترجمتها فكانت وراء تكليفٍ صدر عن هيئة نقل المعارف التابعة لوزارة الثقافة والآثار البحرينية، التي ما كنت لأعرفها لولا جهود الدكتور نجيب الحصادي.
– يحيل الكتاب إلى مراجع متنوعة من الفلاسفة إلى علماء الفيزياء وكبار الرسامين الذين طوروا نظرية الألوان عبر القرون، وإلى تأملات فكرية معاصرة أخرى، طرق صنع الألوان واستعمالاتها وتحولاتها عبر العصور؛ كيف استطعت نقل هذه المفردات الفنية إلى العربية بكل انسيابية؟
* إنّ لكل صانع أدواته وتقانته، كان لزامًا عليّ حين طرقت هذا الباب إعداد العدّة لذلك.
– ما المعيار الرئيس الذي على أساسه تختار عملًا من أجل ترجمته؟
* يهمّني، في المقام الأوّل، تغطية، ولو جزئيًا، الفراغ المعرفي الهائل الذي لا يخفى على أحد، ومع أنّ هذا الجهد يبدو كإلقاء حصاة في بئر، يظلُّ لها فضلُ تحريك المياه الآسنة، بناءً على ما سبق، أوّل كتاب ترجمته من تأليف ناقد الفن الإيطالي ماريو دَيْ ميكَيْلَيْ وعنوانه (الطلائعيات الفنيّة في القرن العشرين)، كان كتابا نقديًا، وَدِدِتُ منحَهُ صبغةً تاريخية، فأعددت السِّيَرَ الذاتية لكل من ورد اسمه بحيث ناهز عددهم سبعمئة، أكثر أو أقل، من مصورين ورسامين، ونحاتين، ومعماريين، وفلاسفة، وشعراء، وأدباء، وموسيقيين وسينمائيين، كان الكتاب مُقررًا أثناء فترة دراستي لتاريخ الفن، لكنّ طباعته مترجمًا حالت دونها ظروفٌ شتّى، أستطيع القول بأنّها الآن توشك على أن تُذلَل، كان المعيار الذي قادني إلى ترجمته، حاجة القارئ الليبي خاصة والعربي عامّة إليه.
– هل إعادة الترجمة لمانْليُو بروزاتين في كتاب “قصة الخطوط” هو إيمانك بالأفكار التي يطرحها؟
* بغض النظر عمّا يمثّله مانْليو بروزاتبن كمُفكّر ومُثقف معاصر، كان تكليفي بالترجمة الصادر عن هيئة نقل المعارف، يخصّ كلا الكتابين، الأمر الذي يعني أنّ الاختيار، رغم سعادتي به، لم يكن ناجمًا عن رغبةٍ منّي.
– ما العمل الذي تعكف عليه؟
* أراجع حاليًا وأُعدُ للطباعة، كتابين: أوّلهما ترجمتي الأولى، لكتاب (الطلائعيات الفنيّة في القرن العشرين)، وثانيهما كتاب كبير الحجم عنوانه (قصة الفن)، من عمل الناقد الإنجليزي غومريتش، إلى جانب بعض أعمال أخرى.
– هل تؤمن بقدرة الأدب على إحداث تغيير في العالم، خاصةً أن العالم بأكمله يواجه موجة من تمدّد العنصرية والتطرف، والانغلاق؟
* نعم؛ أؤمن كغيري بأهداف الفن والأدب النبيلة، وبما فعلته حتى الآن في سبيل التغيير، وهو كثير وشاق. لكن دعيني أحدثك عن الجانب المظلم، إذ إنّ لكل حرب، بل وفي البلاد الواحدة، ثمة داعمٍ ومناوئ. ولننظر إلى دعاة الحرب وداعميها، لكونهم حُجبوا كبعير أجرب، ولأنّنا اكتوينا بنيرانهم قبل غيرنا، حين كنا جبهةً تقطر من سمائها الدماء، وتُبللنا دموع النجوم حزنًا، ففي خضم النزاعات لم يتوقف بعض الأدباء، وهم منارات يُهتدى بها، عن تأجيج الحرب، ثمة صفحةٌ مثيرةٌ للحنق والدهشة تتمثّل في موقف الأدباء والفنانين الإيطاليين، لا سيّما أعضاء الحركة المستقبلية، من غزو بلادهم لليبيا.
نحم عنه اصطفاف معظمهم خلف الشاعر فيليبُّو مارينَيْتّي الذي وصف الحربّ بأنّها الوحيدة التي بمقدورها تطهير العالم، رفض هؤلاء التقيّد بثقافة السلف، بغية اللحاق بالحداثة، لذلك رأوا ضرورة اللجوء إلى السلاح.
إنّ موقف الأدباء هذا كان قبل وصول الفاشية إلى الحكم، فقد أعلن أيضًا غابْريَيْلَيْ دانُّونْسيًو، الداعم الشرس للحرب، عن سعادته لدخول إيطاليا الحرب العالمية الأولى، جوفانّي بابيني أيضًا يقول: “الحرب تصنع الفراغ لكي نستنشق هواءً أنقى، وتترك حول الطاولة أفواهً أقل، مُقصيةً عنّا عددًا كبيرًا من البشر، عاشوا لكونهم وُلدوا فحسب، كانوا يأكلون لمجرد العيش، ويعملون لمجرد الأكل، يلعنون العمل بلا شجاعة تجعلهم يرفضون الحياة”، ثم يطلق صرخته الشهيرة: “لنعشق الحرب، لنتذوّقها كأفضل قرمِ إلى اللحم، حتى نهايتها. الحربُ مرعبةٌ، أي نعم، ولكونها مرعبةً، وفظيعةً، ورهيبةً، ومدمّرةً، علينا أن نعشقها، كرجال، بكل أفئدتنا”. توماس مان، هو الآخر، في: أفكار عن الحرب: يشيد بها، ويرى أنّ ما يُؤجّج الشعراء ليس إلّا فكرة الصراع: “لكونها تصبح ضرورةً أخلاقيةً؛ لذلك وجب النضال لأنّ الوطن يريده، ويجب النزال، بكل ثمن، حتى ولو كان ضد العقل”.
واسمحي لي، بعد شكري لك وللجهة التي تمثّلينـها، أن أُنْهي اجابتي بطرفة، تتعلّق هي الأخرى بالحرب: حدث أن ضجَّ الناسُ في بريطانيا إبّان الحرب الثانية، من استنزاف مدخراتهم للمساهمة في تكلفة الحرب، إلى جانب الدفع بالفن، قال لهم تشرشل: “علينا أن ندفع المال للدفاع، وعلينا أن ندفعه للفنون أيضًا”.
كان ردُّ الناس: “لمَ علينا دفع المال للفنّ ونحن في حرب؟”، فكان جوابه: “لمَ نحارب إذا لم يكن للفنّ وجود؟”. ولعلّكِ سمعتِ ما نُقل نهارَ أمس عن اعتزام الممثلة جولينا جولي بيع لوحة من تصوير تشرشل نفسه الذي كان يمارس التصوير تزجيةً للوقت، كان قد أهداها للرئيس الأمريكي “روزفلت”.
– ما الذي جذبك إلى اللغة الإيطالية؟
* كانت اللغة الإيطالية ضروريةً لدراسة الفنّ قبل الالتحاق بأكاديمية الفنون الجميلة.
– كيف تحافظ على جماليات النصّ الإيطالي في اللغة العربية؟
* يجب على المترجم تقمّص دور القارئ الراغب في الاستفادة والاستزادة من الموضوع الذي بين يديه، بما يشتمل عليه من معارف وأفكار، وأي من المفردات يجد لها ما يما ثلها في لغته. بذلك يثري ترجمته من جهة، وينأى بها، من جانب آخر، عن التأطير المعتاد، ألا وهو النقل، سواء من حيث نشدان المعنى، وفي هذا مثلبةٌ تنتهي بسفح عبارات الكاتب وروح نصّه، أو التقيد بالنص حرفيًا وهذه مثلبة أخرى تقود إلى تغريب النص المترجم فيبدو حينئذ كالهجين.
– إلى أي مدى تؤمن أن الترجمة تٌشكّل نقطةً مُهمّةً في التواصُل بين الثقافات؟
* لست وحدي من يؤمن بذلك، انظري إلى هذه الحركة التي لا تفتأ تسكن، وإلى هذه الدواليب الدوّارة الهادرة، لنقل الفكر من لغة إلى غيرها.
– ما هي أصعب التحديات التي تواجه مترجم الأدب الإيطالي إلى العربية؟
* تكاد تكون الصعوبات نفسها، إلّا أنّها تزداد حدّةً، في مجال الترجمة الإيطالية، نتيجة افتقار المكتبات إلى القواميس الإيطالية المُتخصّصة.