إنها مرحلة نشوب حروب… الحلول
عادل مالك
يستمر الرئيس دونالد ترامب في تقديم استعراضاته على مسرح البيت الأبيض، إضافة إلى المحطات الأخرى التي يتوقف فيها، وهو يوفر للمعلقين من كل الأنواع مادة خصبة.
وهو يعتمد على عامل المباغتة فلا يعرف المتابع لتحركاته متى يمكن أن يطلع عليك بقرار مفاجئ يثير الضجة في أكثر من مجال وعلى غير صعيد. وآخر مفاجأته – قبل أيام حتى كتابة هذه السطور – إقدامه على إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي F.B.I، جيمس كومي.
ولم تعرف الأسباب والدوافع لهذا القرار الذي أثار ضجة كبيرة في شتى الأوساط الأميركية، وقد سعى إلى تهدئه خواطر المحتجين على هذا القرار من طريق قوله: إن بديل المُقال سيكون شخصية جيدة وجديرة بهذا الموقع. وكل ما عرف من أسباب الإقالة أنها تعود إلى ما ذكر عن علاقة المدير المُقال بالتحقيق في اتصالات سرية أجريت مع بعض المسؤولين الروس، بخاصة أن معلومات أشارت إلى حدوث عمليات تدخل روسية خلال الحملة الانتخابية التي كان يخوضها ترامب قبل فوزه بالرئاسة.
وفي أحد مظاهر الزهد بالمال، اختار الرئيس الأميركي الرقم 45 أن يتقاضى دولاراً واحداً في الشهر، بدل الراتب المخصص له (نحو ثلاثمئة إلى أربعمئة ألف دولار سنوياً).
ولهذه اللامبالاة بالجانب المالي ما يبررها، حيث إن الرجل يأتي من خلفية رجال الأعمال الناجحين، بخاصة أنه أحد أقطاب هذا «البيزنس» الذي جنى منه الكثير من الأموال، فيما هذا الوسط يحفل بالكثير من الإبهار والأضواء والنجاحات، وقد يصاب بعض المنخرطين فيه في هذا العالم بنوع من الغرور. من هنا، شكل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية على اختلاف توجهات «الشعوب الأميركية»، مفاجأة صادمة حتى لبعض أعضاء حزبه الجمهوري، والذي تظاهر بعضهم احتجاجاً على فوزه. وربما وصل عامل المفاجأة إلى ترامب نفسه!
هناك تقليد قديم العهد على الصعيد الإعلامي الأميركي وهو إجراء عملية تقويم لحكم الرئيس خلال المئة يوم الأولى من ممارسته الحكم. ولوحظ أن غالبية الآراء التي نشرت بهذه المناسبة كانت «سلبية» بوجه الإجمال وتضمنت الكثير من الانتقادات.
ومن الأسئلة التي تمّ تداولها: هل دونالد ترامب رجل الأعمال الناجح يدير الولايات المتحدة على طريقة إدارة رجال الأعمال مشاريعهم؟
ويخوض الرئيس ترامب المعارك الشرسة مع الصحف والمجلات الأميركية، فضلاً عن محطات التلفزة. وبلغت هذه الأزمة مقاطعة ترامب الحفل السنوي الذي يقيمه الصحافيون المعتمدون لدى البيت الأبيض لتغطية نشاطاته، ومثل هذا الأمر يحدث للمرة الأولى.
وخلال مقابلة متلفزة معه وكان الحديث عن محاربة مقاتلي «داعش»، قال كلاماً عالي النبرة عن محاربة «داعش»، لكنه أخطأ في تسمية بعض المناطق ما بين العراق وسورية، ما اضطر المذيعة إلى تصحيح الخطأ.
وأمر آخر يدخل في إطار الشكل. ففي مناسبة رسمية وصل إليها وكانت المراسم البروتوكولية تقضي بأن يضع الرئيس يده على صدره إلى جهة اليسار (حيث القلب)، فوضعها إلى جهة اليمين، الأمر الذي اضطر حفيدته الواقفة إلى جانبه للتنبيه واستدرك الخطأ.
وقياساً على ما حصل وما بدأ يتخطى مرحلة المئة يوم في الحكم سيكون الرئيس الأميركي الخامس والأربعون الشغل الشاغل للأميركيين بخاصة أن أجهزة الإعلام في معظمها تناصبه العداءَ، وهي لن توفر وسيلة في النيل منه ومن صورته.
وفي الانتقال إلى الجانب السياسي الأكثر جدية يمكن التركيز على أكثر من جانب. على صعيد الحرب في سورية، سجل ترامب موقفاً مختلفاً عن سلفه باراك أوباما فكان القصف الصاروخي المعروف على مطار الشعيرات، وكانت الرسالة سياسية أكثر منها عسكرية.
وهنا تمكن الإشارة إلى الزيارة التي قام بها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية إلى واشنطن، وأفادت معلومات موثوقة بأن زيارة لافروف واشنطن حققت بعض الإنجازات، بخاصة لجهة التنسيق الأميركي – الروسي في التعاطي مع الوضع في سورية.
وفي هذا السياق، يشير بعض المعلومات إلى وقوع تطورات ذات طبيعة مهمة، ومن ذلك إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عن «إنجاز المهمة في بعض أنحاء سورية» وسيتبع ذلك انسحاب قوات تابعة للحزب والعودة إلى قواعدها في لبنان، وسيكون لهذا التطور كثير من التداعيات على أكثر من جهة وعلى غير صعيد.
وهنا نفتح المزدوجين للاستعانة بالأرشيف واستحضار معلومات سبق أن نشرت في هذا الموقع بالذات، ليس على طريقة التباهي، أو «ألم نقل لكم»، بل من قبيل استحضار بعض التطورات التي تزامن الحديث عنها مع الوقائع، ولو من قبيل المقارنات، وفق شريط تسلسل الأحداث الآتية:
هل سقط الربيع العربي وحصل «بشار الأسد على حصة الأسد؟» (الحياة 30/8/2013)، و «سلام سورية أصعب من حربها وبشار الأسد الأكثر تكلفة في التاريخ» (الحياة 31/10/2015)، و «مصر عبدالناصر جديد وجمهورية الأسد… أي سورية؟» (الحياة 7/6/2014)، و «بشار الأسد المحلل الاستراتيجي في الشؤون السورية يطرح الحل» (الحياة 19/1/2013)… و «سورية تجدد لبشار الأسد بمن حضره» (الحياة 24/5/2014)، و «عن حصة الأسد للأسد والباقي… تقسيم» (الحياة 11/6/2016)، وغيرها وغيرها من المقالات التي كانت تركز على أبعاد الرياح التقسيمية التي كانت تعصف بسورية والجوار.
ونسارع إلى القول أن الحديث عن تقسيم سورية استند إلى معطيات محددة، ولم يكن قراءة في فنجان أو في التنجيم. وأضيف ان الحل الآتي إلى سورية على وقع الفيديرالية المقنعة (شاء من شاء وأبى من أبى) ليس بالحل المثالي، بل هو الحل الوحيد الباقي، واستناداً إلى المعطى من التحليل الآتي:
لا الأسد استطاع استعادة تحرير الأراضي خارج السيطرة، ولا المعارضات تمكنت من فرض حل واقعي.
وفي المناطق السورية المحتلفة: تهجـيـر بإشراف ورعـاية دوليـيـن – طابع مذهبي وطائفي واضحان – في عمليات نزوح المدنيين لأسباب إنسانية يمكن أن ينضم كثر من المقاتلين إلى صفوف المدنيين ليتم نقلهم إلى مناطق أكثر ملاءمة.
لا النظام تمكن من استعادة المناطق «المحتلة» وإعادة الحكم المركزي، وفي المقابل فشلت المعارضة، بل المعارضات، في طرح بديل مقبول لتسلم السلطة.
والآن: ما المقصود «بالحل السياسي»؟ النظام ليس على استعداد للتخلي عن سلطاته طوعاً وتسليم سورية للفصائل المسلحة. وبذلك فالصيغة الوحيدة «المتاحة» هي الصيغة التقسيمية، ليس لأن تقسيم سورية هو الحل المثالي، بل لفشل الحلول الأخرى التي تم التداول في شأنها.
عمليات إعادة المواقع والنزوح الشديدة الوضوح من حيث إعادة التوزيع الديموغرافي، وهذا ما يظهر جلياً من خلال عمليات نقل المساعدات داخل المناطق السورية.
وبعد…
مع بداية الحرب في سورية وعامها السابع شهدت هذه الأزمة بعض المنافذ الذي يؤشر إلى حدوث متغيرات مفصلية. ومع أن معظم مشاريع الحلول المطروحة في سوق التداول لا تتحدث عن عودة سورية موحدة، يبقى الحل التقسيمي، ليس الأفضل، بل الوحيد المتاح.
بعث مسؤول عربي بارز برسالة إلى مسؤول آخر جاء فيها: «حاول أن تفهم أنها حرب سورية على تركيبة كردية على أميركية على روسية… إضافة إلى فصائل ومقاتلين توافدوا على سورية من كل حدب وصوب». وستزيد حركات البطالة في عدد من الدول الأوروبية التي شارك الآلاف من شبابها في الحرب السورية.
وتبقى أسئلة كثيرة حول لبنان. فمع حالة الهدوء الأمني السائد نسبياً قياساً بدول الجوار، فإن الأيادي السود لا ترفع يدها عن لبنان إلا بنحر المزيد من أوصال الوطن اللبناني.
وإضافة إلى ذلك، ففي أزمة النازحين المتداخلين في مختلف المناطق اللبنانية مع اللبنانيين، لا يبدو أن عودة النازحين في لبنان إلى سورية ستكون سريعة.
كذلك الأمر بالنسبة لموضوع «المواقع الأربعة الهادئة»، حيث «وراء الأكمة ما وراءَها»، وتجربة الأسابيع المقبلة ستشكل اختباراً لذلك.
ولا يمكن إنهاء المقال من دون الإشارة إلى الحرب الشعواء المستعرة بين الرئيس دونالد ترامب وإيران حول الموضوع النووي. وإذا كانت إيران قادرة على الدفاع عن نفسها، فكيف سيكون نصيب لبنان من حمايته؟
وإضافة إلى الأزمة الأميركية – الإيرانية، هناك الانتخابات داخل إيران حيث انطلقت أصوات كثيرة تحذر من إساءات إلى الوضع الداخلي الإيراني أكثر مما شوهد حتى الآن؟
فما هذا؟ البعض يتوقع أننا عشية اندلاع حرب… الحلول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الحياة” اللندنية