إرهابيو ليبيا هدف حفتر.. وحفتر هدف الإخوان
عدلي صادق
إن كانت مصر تدعم حفتر، فإن الأمر مفهوم لأن مصر في حاجة إلى تأمين حدودها من إرهاب يتهددها، وهي تدعم جيشا وطنيا حدد لنفسه أهدافا وطنية. لكن الدعم القطري لحزب العدالة والبناء الإخواني هو الأمر غير المفهوم.
لازالت الأوضاع في ليبيا معلقة، بينما يحيط الجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر بمدينة درنة، ويوشك على بدء الهجوم لتطهيرها من الفصائل الإرهابية. غير أن ما يساوي خطر المجموعات الإرهابية في ليبيا وعليها هو منحى الشخصنة والحزبية الضيقة اللذان يعيقان التوافق على الحل الوطني في البلاد.
وطالما أن حزب العدالة والبناء الإخواني الذي يسيطر على العاصمة طرابلس، يضع الكيديات المنبثقة عن رؤية “الجماعة” لأحوال الإقليم كله، في موضع التداول السياسي في البلاد؛ فإن الطريق سيكون طويلا على طريق استعادة الدولة.
فقد أثبتت التجارب دائما أن الإخوان في حساباتهم يُقدمون اعتبارات الحزب على اعتبارات الدولة أو الوطن، ويستمرون في عنادهم على هذا الأساس، حتى تُسفك الدماء ويُنكب الوطن وتُبتلى الدولة وتهرب “الجماعة”.
فهؤلاء لا يرتضون أخذ الأمور من قصيرها، وسيظل يستعصي عليهم فهم فكرة الدولة أصلا، باعتبارها إطارا أو كيانا تتوافق عليه الجماعة لكي يكون حكما نزيها بين الناس، يحتكر الحق في الإكراه نيابة عن المجتمع ولمصلحته وبالقانون، وأن الأشخاص الذين يتداولون على السلطة بالتفويض الشعبي عبر صناديق الاقتراع، إنما هم عابرون يؤدون واجبا ولا يحق لهم أن يتحولوا إلى مفوضين دائمين من قبل السماء.
عندما استطاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جمع الأقطاب الليبية الأربعة: خليفة حفتر، فايز السراج، عقيلة صالح وخالد المشري بدت محصلة الاجتماع منذ لحظة إعلانها غير ذات صدقية.
فقد توصل الفرنسيون مع الشخصيات الليبية الأربعة وبحضور القوى الضالعة في تطورات الداخل الليبي إلى “إعلان سياسي” ملحق بتواريخ استحقاقات.
وللأسف، كان ذلك الإعلان، أشبه بالبيانات الصادرة عن اجتماعات فتح وحماس الفلسطينيتين واتفاقاتهما الكثيرة التي لا تُنفذ. وليس أدل على ذلك من استنكاف الرجال الأربعة عن وضع إمضاءاتهم على “الإعلان” رغم أنهم أعلنوا عن استعدادهم للالتزام ببنوده.
لكن لقطة استنكاف المشري عن مصافحة حفتر، التي دلت على تردي العلاقات الشخصية بين الرجلين، بمعنى أن المسافة ستظل واسعة بين من يمتلك القوة العسكرية المسيطرة على شرقي البلاد والزاحفة غربا، والإخواني خالد المشري، رئيس مجلس الدولة في طرابلس، أي رئيس المؤسسة التنفيذية والهيئة الاستشارية التي يفترض أنها معنية بكل ليبيا.
وهذا مؤشر أيضا على فشل المساعي الفرنسية، التي تتوخى تعزيز القدرة الإدارية لمؤسسات الدولة الليبية، ورفع مستوى أدائها على صعيد معالجة الوضع الاقتصادي لليبيين، وضرورة أن تبقى مؤسستا الجيش ومجلس الدولة قادرتين على فتح الطريق لحكومة موحدة ولسلام دائم.
فإن كان عنصر المجاملة العابرة بين حفتر والمشري مفتقدا، فمن ذا الذي يصدق أن اتفاق الإعلان السياسي الذي خرج عن مؤتمر باريس، يمكن أن يذهب بالليبيين إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في العاشر من ديسمبر من السنة الجارية، وأن يأخذ الأطراف الليبية قبلها، إلى إقرار الأسس الدستورية لهذه الانتخابات واعتماد القوانين الضرورية في موعد أقصاه 17 سبتمبر المقبل.
ومما يغذي الشكوك في صدق النوايا، أن الأقطاب الليبية الأربعة، الذين تحدثوا عن التزامهم بإعلان باريس لم يزيدوا عليه ما هو جوهري وأهم، ألا وهو إعلان التزامهم بنتائج الانتخابات المحددة في خارطة الطريق التي تضمنها الإعلان، والأنكى أنهم ما إن عادوا من باريس حتى استأنفوا التراشق السياسي والتربصات الأمنية لبعضهم البعض.
الأربعة الذين استضافهم الرئيس الفرنسي، انقسموا هناك إلى فريقين: خليفة حفتر يؤيده عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري ويؤيده ضمنا فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الذي يصرح أنه يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وذلك على الرغم من وجوده في طرابلس في حماية جماعات “الإخوان” وميليشياتها.
فقد اعترض فايز السراج على تشدّد عقيلة صالح في الرهان على حفتر ووصفه بــ“الخط الأحمر” في إنكار ضمني للدور الذي يلعبه الجيش الوطني الليبي في تطهير البلاد واستعادة وحدتها.
في اجتماع باريس كانت أحوال ليبيا وانسداد الأفق أمامها حتى الآن، يحتمان على كل الأطراف الليبية أن تتجاوز حساباتها الصغيرة، الشخصية أو الحزبية، وأن تصفي النوايا لكي يستطيع الليبيون تحقيق طموحاتهم الوطنية.
لقد ثبت أن معضلة ليبيا الراهنة، تكمن في عدة عناصر، أولها اختزال تمنيات المجتمع الليبي في طموحات بعض الأشخاص والجماعات ضيقة الأفق، وهذا ما نوّهت إليه المؤسسة البحثية الدولية في بروكسل التي تسمّى “مجموعة الأزمات الدولية”.
فبعد أن رصدت هذه المؤسسة مجريات الأمور في ليبيا، خلصت إلى القول إن “كل المؤشرات تسلط الضوء على خطأ الاعتماد كليا على الأفراد لحل النزاع المستمر منذ عام 2014، وأن التركيز المفرط على الشخصيات، يمكن أن يعيق جهود السلام بدلا من تعزيزها”.
وقد استدلت مجموعة الأزمات الدولية بالعـديد من المـواقف لكي تصل إلى قنـاعة بأن احتكاكا يمكن أن يفسد أو يؤخر تنفيذ أو تعديل اتفاقية “الصخيرات” في العام 2015 الأمر الذي يتطلب التوصل إلى اتفـاق بين مجلس الدولـة ومنافسه السياسي، مجلس النواب في طبرق. حيث لم يعترف المشرّعـون في طبـرق رسميـا بشـرعية الاتفاق. وتكمن وراء المشروعات المناطقية التي يتبناها أفراد وتدعمها دول خلافات عميقة بين رموز المناطق والجهات، شرقا وغربا وجنوبا.
وإن كانت مصر تدعم المشير خليفة حفتر، فإن الأمر مفهوم لأن مصر في حاجة إلى تأمين حدودها الغربية من إرهاب يتهددها، وهي تدعم جيشا وطنيا حدد لنفسه أهدافا وطنية. لكن الدعم القطري لــ“حزب العدالة والبناء” الإخواني وميليشياته، هو الأمر غير المفهوم.
فقد لاحظ المراقبون أن قوة الدفع الإخوانية للسيطرة على العاصمة طرابلس بمساندة قطرية، جاءت بعد الإطاحة بحكم “الإخوان” في مصر مباشرة، وهذا معناه، أن هناك مشكلة كبرى في المقاربات غير الواقعية، التي تتحدث عن إمكانية عودة “الإخوان” لمصر، ويجري للأسف تسويق هذه المقاربة باعتبارها مضمونة التحقيق، وقد أكد النظام في قطر، على صحة هذا المنطق، لأسبابه الخلافية في الإقليم، دون أن يضع في الحسبان مصالح شعب ليبيا واستقراره ووحدة بلاده.