إبهام القدم
عمر أبو القاسم الككلي
ستظل أمي تردد، لعدة سنوات لاحقة، وكلما استعيدت الذكرى:
– خشتلها الموت من صبع رجلها الكبير. كنت مقمعزة بحذا رجليها، وكنت نتبع في الموت بيدي وهي تمشي في جسمها.
وفعلا، كنت شاهدا، كان عمري حوالي تسع سنوات، وكانت أمي في مرمى نظري، وفعلا رأيتها تضع كفيها على رجل المريضة وتحركهما، في تركيز، صاعدة ببطء.
كان أخي طريحا تنهبه الحمى، وكان هناك توقع بأنه سيفارق الحياة. لم يكن الذهاب إلى الأطباء أو جلبهم، أو الذهاب إلى المستشفيات، ميسورا أو معتادا.
مرضت هي بنزلة برد حادة مفاجئة بعد الاستحمام، طرحتها، وأعجزتها عن الحركة. في الليلة التي ماتت فيها طلبت من أمها أن تقترب منها ووشوشتها شيئا.
– ما عليشي يا بنيتي، ما فيش عيب. الله غالب. مش برادتك.
ثم خرجت وأحضرت آنية مليئة بتراب جمعته من وسط البيت غير المرصوف، وطرحت التراب بين عجيزتها وثيابها، وسمعتُ صوت الغازات وغرغرة السائل.
– خشتلها الموت من صبع رجلها الكبير، وكل مكان توصله يبرد تحت إيدي.
وفعلا، كنت موجودا ولاحظت حركة يدي أمي. لكنني لم أفهم دواعي فعلها.
اشتد بها المرض، وأمام معاناتها، نُسي أخي.
كان الوقت ليلا وكنا مجتمعين في حجرة واحدة. أمي وأمها وخالي وأنا وأختي الأصغر مني، ولم أعد أذكر من أيضا.
كان خالي قريبا من رأسها وكان يمسك يدها يواسيها. وفي لحظة شاهدتها تقوم بنفس الحركة التي كنت ألاحظها على العصافير التي كنت أصطادها وأذبحها. كانت تباعد شقي منقارها على سعته بحيث يبرز لسانها الوردي المائل إلى الاصفرار كاشفا عن فمها وحلقها. ثم تخمد. نفس الحركة، لكأن الهواء كان يرفض الدخول إلى رئتيها، أو أن رئتيها أضربتا عن استقبال الهواء.
ثم سكنت. قامت أمها، بمجرد همود جسد ابنتها الوحيدة، فتناولت سجادتها وخرجت إلى فناء البيت، وسمعتها تصلي. بعدها خرجت أمي إلى الفناء وأطلقت صرخة في سكون الليل. لكن خالي، وهو أصغر منها، نهرها. فانتهرت.
ما لفت نظري، ومازلت أستغربه حتى الآن، أن أخي (زوجها) تعافى بعد موتها مباشرة وتجافاه الموت.
– خشتلها الموت من صبع رجلها الكبير. كنت نتبع في الموت. المكان الي تخشله يبرد. لين وصلتْ قلبها. وقتها فارقتها الروح. أجلها. يا دوب قعدت يومين.
تتكلم بروح المكتشفين. اكتشفتْ أن الموت يدخل جسد الإنسان من إبهام قدمه. ولم تكن تعرف كيف تسجل هذا الاكتشاف في تاريخ العلم. لكنها لم تحدد إبهام أي قدم.