أين طائفنا؟
فرج عبدالسلام
………………………..
أنا نازحٌ تركتُ خلفي بيتي
كومة رمادٍ ودخانْ
تركتُ أطراف أطفالي مغروسةً في التراب
أنا نازحٌ رأيتُ هول القذيفةِ العمياء
رأيتُ أخوة يقتلون بعضا ويكبرون
رأيتُ السلاحَ في يدِ الصبية
رأيتُ سيارات تكومت فيها جثث
كانت منذُ قليل تتنفسُ وتحلم
رأيتُ كلّ شيء
المقابرُ رطبة بالدم
الأمهاتُ يمتن من الحزن
رأيتُ السماء غاضبة
رأيتُ الملاك
يأخذُ أطفالي بعيدا
عن هذه البلاد الظالمة
أنا نازحٌ
بلا مكان
لا أحد يقنعني أن هذا الوطن بيتي
“سميرة البوزيدي”
انتظرتُ أسبوعا قبل الكتابة عن الذكرى الرابعة والأربعين للحرب الأهلية اللبنانية. لأن ذكراها مَثار ألمٍ، وغضب. فجيلنا الشابّ وقت اندلاع تلك الحرب المجنونة، كان يتألم كثيرا لما نسمع ونرى، لأنّ لبنان مثّل لنا أيقونة للتعايش بين الأديان والطوائف والتيارات، وبيروت كانت عاصمة للثقافة والفنون والعصرنة. حربُ لبنان التي انطلقت شرارتها في العام 1975 من “بوسطة” عين الرمانة، أدخلت البلد في أتونِ صراعاتٍ طائفية ومذهبية استمرت خمسة عشر عاما، كبّدت لبنانَ خسائر بشرية ومادية لا حصر لها.
بالرغم من عدم تشابه أسباب الحرب الأهلية في كل من لبنان وليبيا، إلاّ أن النتيجة واحدةٌ ، هي سفك الدماء وخراب النفوس والبلدان… اليوم، وبعد أربعة وأربعين عاما على مرور تلك الحادثةِ الأليمة، ما يزال لبنان يترنّح بفعل ما جرى على أرضه من أهوال، وما ارتُكب من موبقات. لكن اللبنانيين وبعد خمسة عشر عاما كاملة من الاقتتال الأهبل، اضطُرّوا في النهاية إلى أخذ استراحة المحارب، والاجتماع في “الطائف”، ليتفقوا على إنهاء الجنون. وبالرغم من أن الجميع ليسوا سعداء بمآلات اتفاق “الطائف” واعتبار البعض من الطرفين أن قسمة الطائف كانت “ضيزى”. إلا أنّه كان محطة الجنون الأخيرة، كما هو الأمر لكل صراعٍ، أهليّ كان أمْ غير ذلك. والتاريخُ دقيقٌ وشديد الوضوح في سيرته حول مثل هذه الحروب والصراعات.
غير بعيدٍ عن لبنان، تدور اليوم أحداث تكادُ تكون متشابهة. ولسخرية القدر، كما يعرف كثيرون، فغالبا ما يخطئ العالمُ غير العربي في التفرقة بين ليبيا ولبنان، لتشابههما في النطق. إلاّ أن لبنان لم يُحكم بالحديد والنار من قبل مستبدٍّ، كما كان الحالُ عندنا، بل كان يوصفُ بأنه واحة الديمقراطية العربية الوحيدة في وسط صحراء الاستبداد. لكن في “ليبيانا” حتى وإن انعدمت الطوائفُ، إلاّ أنّ التدخل الخارجي أكثرُ وضوحا وتأثيرا عمّا كان في لبنان، كما أنّ أوجه الخلاف أكثر من أن تُحصى بين الفرقاء الليبيين.. فالاستبدادُ الذي استطال لأكثر من أربعة عقود جعلنا نفقدُ ناصية العقل، فلسنا حتى في وضعٍ يمكّننا من استخلاص العبر من كبوات وخسارات الآخرين.
في معرِض الإشارة إلى لبنان، ونحن نتخذه هدفا للمقارنة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اللبنانيين لم يستخدموا الطيران في حربهم الأهلية كما نفعلُ الآن، وكانوا أكثر تقنيناً في استخدام القصف العشوائي بالأسلحة الفتاكة بعيدة المدى. والأهمّ أنّ ثورة الاتصالات والتقنية لم تكن قد انطلقت بعد لتمكّن اللبنانيين من نفث سمومهم في من يعتقدونه عدوّا لهم، لتذكي نار الشقاق، كما يحدث “بالهبل” في ليبيا الآن..
صوتُ العقل والمنطق يقول إن النوايا الطيبة وحدها قد لا تكون كافية، لكنّ “داحسنا وغبراءنا” لا بدّ أن تتوقفً سريعا بطريقة ما، ولا بدّ أن يجدَ ما تبقى من رشدٍ لدى الليبيين طريقة لفرضِ “طائفنا” قبل فوات الأوان.