أوطاننا المكلومة ولعنة العسكر
براء عادل
وأنت تُطالع الأخبار كعادة كلّ يوم تصل إلى قناعة راسخة أكيدة واستنتاج نعيش كوابيسه لغاية اللحظة؛ أن هنالك لعنة ما، قد أصابت أوطاننا العربية تضاف إلى قائمة اللعنات والويلات ألا وهي “لعنة العسكر”؛ فبمجرد أن تبدأ بالقراءة حتى تطالعك العناوين: الجنرال فلان في مصر، والعقيد “علان” في الجزائر، وثالث في السودان وقبلها كانت ليبيا والعراق وتونس وغيرها.
لكن بعد أن تُفكر بقليل من المنطق والواقعية، تستنتج أن هذه المعسكرات لو لم تجد الحواضن الشعبية والقبول والإقبال عليها لما ازدهرت، حتى باتت واقعاً لا يمكن الفككاك منه بدون إراقة الدماء لطبيعة العسكر القاسية بحب السلطة والقوة واستحالة الاستغناء عنها في الحالات العادية حسب مقولة “من ذاق عرف ومن عرف اغترف”، فيبدو أن للكراسي طعماً ساحراً نحمد الله أننا لم نذقه، وهذا بالتأكيد ليس مسوغاً أبداً لما يحصل ولن يكون مسوغاً لأي شخص أو مجموعة تصل إلى السلطة؛ فالسلطة المطلقة مفسدة فكيف إذا كانت مطلقة وبلا نهاية معروفة.
وكما نقول دائماً وحتى لا نبالغ في جلد ذواتنا فإن لعنة الانقلابات في العصر الحديث – التي افتتحها حسني الزعيم في سوريا عام ١٩٤٨ تبعه انقلاب الضباط الأحرار في مصر عام ١٩٥٢ وليس انتهاءً بما قام به عبدالكريم قاسم في العراق عام ١٩٥٨ – لو أن الشعوب وجدت ما تريد في سابقيها لما وجدت في العسكر المنقذ والمخلص؛ إما بدوافع حقيقية أو بدوافع ابتكرها العسكر لتكون مبرراً لأفعالهم التي جرّت علينا الويلات لعقود وما زالت؛ فوعي الشعوب هو العامل الأهم والأبرز في المعادلة وهو ما يحاول العسكر طمسه ليحكموا بما شاؤوا وكيف ما أرادوا.
ومن المهين ما وصلت إليه حالتهم من استجداء التأييد من الشعوب لانتخابهم والتجديد لهم، كما فعل بوتفليقة منذ يومين عندما عبّر عن رغبته في لحكم فقط لسنة إضافية من أصل ٤ سنوات من ثم يتنحى في سابقة غريبة لا أحد يعلم مغزاها ولا حتى هو ربما؛ لكن على ما يبدو أن شعوبنا بدأت تستيقظ من سباتها وتنتبه للعبة وإن كانت متأخرة عشرات السنين، لكن كما يقال “أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً”؛ فالعسكر مكانهم الثكنات والحدود والذود عن حياض الأوطان لا أروقة السياسة والحكم التي هي أيضاً لعنة ربما أصابت العسكر حتى حدث ما نراه، والألعن من هذه اللعنة أنه مع كل ما يحصل أن أحزاب المعارضة لا يمكنها الاتفاق على مرشح واحد تكون على يده إنهاء عقودٍ طويلة من الاستبداد مع ما نراه من زخم غير مسبوق في الشوارع، لكني أتذكر واقعاً مؤلماً أن أحزاب المعارضة في بلداننا ما هي إلا “دكاكين” لبيع المواقف والخطابات.