أميركا… صدمة الديمقراطيين
توماس إدسال
جاء ارتفاع التضخم، ونقص سلسلة التوريد، والزيادة المفاجئة في أعداد المعابر الحدودية غير الشرعية، واستمرار تفشى فيروس «كوفيد»، والفوضى في أفغانستان، والضجة حول «نظرية العرق الحرج»، لتترك آثارها على الرئيس بايدن والمرشحين
الديمقراطيين، لدرجة أنَّ الديمقراطيين باتوا الفئة المستضعفة في عام 2022 وربما عام 2024.
هذا الحال صاغه جاري لانغر، مدير الاقتراع في شبكة «إي بي سي نيوز» الإخبارية في مقال نُشر على موقع الشبكة الإلكتروني كما يلي:
إذا افترضنا أن الانتخابات النصفية ستُعقد اليوم، فإن 51% من الناخبين المسجلين سيدعمون المرشح الجمهوري في منطقة الكونغرس، و41% سيدعمون الديمقراطيين. وهذا أكبر تقدم للجمهوريين في 110 استطلاعات تجريها صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي» اللتين دأبتا على طرح هذا السؤال منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 1981.
أثارت هذه الاتجاهات وغيرها تشاؤماً عميقاً بشأن آفاق الديمقراطيين في عام 2022 والقلق بشأن الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ولدى شابيرو روبرت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، وجهات نظر مماثلة، لكنه يشير إلى أن المد الفيضاني للمشكلات السياسية قد يكون خارج سيطرة الديمقراطيين: «كان لبايدن والديمقراطيين حظ في كل الأخبار السيئة تقريباً: الوباء ما زال مستمراً، ولم ينتعش الاقتصاد ولم نرَ الزيادات المتوقعة في التوظيف والنمو الاقتصادي، ورأينا ما حدث في أفغانستان، وما حدث على الحدود الجنوبية، وارتفاع معدلات الجريمة، كل ذلك جرى تضخيمه في التقارير الإخبارية».
أرسل لي بيل ماكنتورف، الشريك المؤسس لمؤسسة «بابليك أوبينيون ستراتيجي»، ببيانات من استطلاع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الذي يسأل الناخبين عن الحزب الذي يمكنه إدارة مجموعة واسعة من القضايا بشكل أفضل. في ثلاث قضايا رئيسية: السيطرة على التضخم، والتعامل مع الجريمة، والتعامل مع الاقتصاد، كان تفوق الحزب الجمهوري واضحاً في الدراسات الاستقصائية التي تعود إلى التسعينات.
وكتب ماكنتورف عبر البريد الإلكتروني يقول: «يقضي الديمقراطيون في واشنطن شهوراً في القتال بشأن التشريع، لكن خلال هذا الوقت يشتكي الناخبون من أن الأسعار آخذة في الارتفاع، وأن تكلفة المعيشة مرتبطة بالقضية الأولى في البلاد، وهناك زيادة حادة في التشاؤم الاقتصادي. هذه هي العوامل الاقتصادية التي تقود الانطباعات السلبية عن اتجاه البلاد إلى مستويات عالية بشكل غير عادي، وهذا يضر بالديمقراطيين في كل مكان. ولذلك لن تزدهر أي إدارة في تلك البيئة الاقتصادية».
في تحليله لاستطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إي بي سي نيوز» بين 6 و10 نوفمبر، أوضح لانغر ما يلي: «في حين أن العام يعد دهراً كاملاً في السياسة، فإن الصعوبات التي يواجهها الحزب الديمقراطي عميقة حيث تشمل السخط الاقتصادي المتصاعد، والرئيس الذي تراجعت شعبيته بواقع 12 نقطة مئوية، وتعبير 62% من الأميركيين عن مخاوفهم من الأوضاع الحالية».
الأرقام أسوأ بالنسبة إلى الديمقراطيين في الولايات الثماني التي يُتوقع أن تشهد أقرب انتخابات لمجلس الشيوخ، وفقاً للانغر -الولايات هي: أريزونا وفلوريدا وجورجيا ونيفادا ونيوهامبشاير ونورث كارولاينا وبنسلفانيا وويسكونسن. لا يقتصر الأمر على نسبة الموافقة الإجمالية لبايدن على الوظائف في تلك الولايات بنسبة 33%، أي أقل بـ10 نقاط مما هي عليه في بقية البلاد، ولكنّ الناخبين المسجلين في تلك الولايات الثماني يقولون إنهم أكثر ترجيحاً للتصويت لمرشحي مجلس النواب الجمهوريين عن الديمقراطيين بنسبة 23 نقطة مئوية (58% إلى 35%).
في 3 نوفمبر، توقع موقع «ساباتو كريستال بول» تصنيفات ثلاثة أعضاء ديمقراطيين حاليين في مجلس الشيوخ -مارك كيلي من ولاية أريزونا، ورافاييل وارنوك من ولاية جورجيا، وكاثرين كورتيز ماستو من ولاية نيفادا- حيث وصفها بـ«الضعيفة».
وأظهر فحص لنتائج استطلاع «غالوب» حول السؤال: «اعتباراً من اليوم، هل تميل أكثر إلى الحزب الديمقراطي أم الحزب الجمهوري؟»، حجم الضرر الذي لحق بالديمقراطيين. من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب)، حاز الديمقراطيون 7.9 نقطة (لترتفع من 48.2% إلى 41.3%). في سبتمبر (أيلول)، ومع ذلك، أبلغت «غالوب» عن تفوق جمهوري ارتفع من نقطتين (47 – 45) إلى 5 نقاط (47 – 42) بحلول أكتوبر.
وفيما يتعلق بنتائج الانتخابات، يستغل الجمهوريون مرة أخرى هيمنتهم على عملية إعادة تقسيم الدوائر في الكونغرس لحرمان الناخبين الديمقراطيين من حق التصويت، على الرغم من الدعم الشعبي القوي للإصلاحات المصمَّمة للقضاء على التلاعب الحزبي في تقسيم الدوائر الانتخابية أو تقييده. الاثنين الماضي، ذكرت صحيفة «تايمز» أن الحزب الجمهوري «أضاف ما يكفي من مناطق مجلس النواب الآمنة للسيطرة على المجلس على أساس حد إعادة تقسيم الدوائر وحدها». والانقسام الحزبي الحالي في مجلس النواب هو 221 مقعداً ديمقراطياً و213 مقعداً جمهورياً مع مقعد واحد شاغر.
ربما تكون هناك فرصة سياسية محتملة واحدة للديمقراطيين، حيث ألغت المحكمة العليا أو قوضت قضية «رو ضد وايد»، وحشدت مؤيدي الحقوق الإنجابية في جميع أنحاء البلاد. في غضون ذلك، ساد قدر من القلق، حيث أشار ستيفن أنسولابيهري، أستاذ الحكومة بجامعة هارفارد، في رسالة بريد إلكتروني، إلى تراجع شعبية بايدن، من يونيو (حزيران) إلى أغسطس (آب) بنحو 6 نقاط مئوية، ومن سبتمبر إلى أكتوبر بواقع 6 نقاط أخرى. التراجع الأول كان بسبب رد فعله تجاه الوضع في أفغانستان، والآخر بسبب استجابته الضعيفة لفيروس «كوفيد» ونمو التوظيف الضعيف خلال الصيف.
واستطرد أنسولابيهري قائلاً إنه من المفترض أن يساعد تمرير مشروع قانون البنية التحتية في «الشعور بأن الإدارة لم تكن تفعل ما يكفي للاقتصاد، لكنّ ضربة أفغانستان ستكون من الصعب تفاديها، حيث كانت دليلاً على تعامل نهج الإدارة في التعامل مع الشؤون الخارجية».
وقد جادلت ميكا إنغليش، وهي طالبة دراسات عليا في العلوم السياسية بجامعة «ييل» تدرس ديناميكيات العرق والطبقة والجنس، في رسالة بريد إلكتروني قائلة: «إن القادة الديمقراطيين، على الأقل حتى الآن، أساءوا توصيل أجندتهم وأهدافهم بشكل فعال».
وأضافت أن «الحزب الديمقراطي يعاني من مشكلة في التواصل ولا يبدو أن لديه أي خطط لإصلاحها»، مشيرةً إلى أن رسالة الجمهوريين الآن هي أنه في الأساس «الديمقراطيون وبايدن مهتمون فقط بتعليم أطفالك نظرية العرق النقدية، بدلاً من التركيز على الاقتصاد!». وتابعت أن هذا الفشل أدَّى إلى عدم القدرة على الاستفادة مما كان ينبغي أن يكون بشرى سارة قائلة:
«اقترح الديمقراطيون تشريعات تحتوي على سياسات شعبية بشكل كبير، ولكن إذا استمروا في الفشل في إيصال فوائد هذا التشريع إلى الجمهور الأوسع، فلن يفيدهم ذلك في منتصف المدة. بالإضافة إلى ذلك، كما أظهرت انتخابات 2020، لا يمكن للديمقراطيين الاستمرار في الاعتماد على احتمالية تغيير التركيبة السكانية لتحقيق انتصارات انتخابية».
أحد الموضوعات التي ظهرت مراراً وتكراراً في التعليقات التي تلقيتها رداً على أسئلتي هو أنه حتى بعد أن نجح بايدن في الفوز بمرور قانون الاستثمار والوظائف في البنية التحتية من الحزبين، والذي يبلغ 1.2 تريليون دولار، فقد عانى من أجل الحفاظ على هالة من الإتقان.
وجادل بريان شافنر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «تافتس»، في رسالة بريد إلكتروني قائلاً: «ما توقعه الكثير من الناخبين المتأرجحين من بايدن هي القيادة الكفؤة في أوقات الأزمات. وربما توقع كثيرون أن العودة إلى القيادة الطبيعية ستحل على الفور المشكلات غير المسبوقة التي تواجه البلاد. بالطبع، لم يكن هذا توقعاً واقعياً على الإطلاق». وتابع شافنر أن العوامل الحاسمة الكامنة وراء انخفاض تصنيف بايدن بشأن الأفضل هي «عدة أشياء تشكك في فاعلية بايدن -الانسحاب من أفغانستان، والتأثير المستمر لكوفيد، والاقتصاد المتعثر، والوقت الصعب الذي مر به الديمقراطيون في تمرير مبادراتهم التشريعية الرئيسية».
سألت مجموعة من علماء السياسة عن توقعاتهم حول الكيفية التي من المرجح أن تظهر بها انتخابات 2022 للسيطرة على مجلس النواب، وكانت وجهات نظرهم سلبية إلى حد كبير بالنسبة لآفاق الديمقراطيين.
كما كتب مات غروسمان، من ولاية ميشيغان، يقول: «استناداً إلى متوسطات الخسارة في منتصف المدة البسيطة، من المتوقع أن يخسر الديمقراطيون 4 نقاط من حصة التصويت وينخفضوا إلى نحو 45% من المقاعد في 48% من الأصوات في عام 2022». تُترجم هذه الأرقام إلى خسارة 24 مقعداً تقريباً، مما يقلل حصة الديمقراطيين إلى 197 مقعداً. وأضاف غروسمان: «لا يوجد الكثير تحت سيطرة الديمقراطيين ليُحدث فرقاً كبيراً في مدى خسائرهم. وكتب مارتن واتنبرغ، من جامعة «كاليفورنيا – إيرفين»، يقول إن «الأمر يحتاج إلى حدث جلل بحجم 11 سبتمبر لمنع الديمقراطيين من خسارة مجلس النواب». لقد عانى الجمهوريون من سوء حظ في اختيار مرشحين -مثل كريستين أودونيل (صاحبة عبارة: أنا لست ساحرة)- خسروا سباقات يمكن الفوز بها بشكل كبير بسبب نقاط ضعفهم. يبقى أن نرى ما إذا كانوا سيرشحون هؤلاء المرشحين في عام 2022».
واستشهد واتنبرغ ببيانات من المسح الاجتماعي العام تُظهر ارتفاعاً حاداً في النسبة المئوية للديمقراطيين الذين يصفون أنفسهم بأنهم ليبراليون أو ليبراليون بعض الشيء، حيث ارتفعت من 47% في عام 2016 إلى 62% العام الجاري. في الوقت نفسه، اقترح بروس كاين، من جامعة «ستانفورد»، أن هزيمة الديمقراطيين في عام 2022 قد تكون تطوراً إيجابياً محتملاً لآفاق الحزب على المدى الطويل قائلاً: «من المحتمل تماماً أن تكون الخسارة في منتصف المدة لعام 2022 هي أفضل طريق للفوز بالرئاسة في عام 2024، فهذا سيضع الجمهوريين في موقع (مغلق) في مواجهة المشكلات التي تواجه البلاد، وفي الوقت نفسه يمكن لبايدن أن يبقى في المنتصف دون النظر إلى كتفه اليسرى».
أضاف هوارد روزنتال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك، هذه الملاحظة:
«النقاد الذين يتعين عليهم كسب لقمة العيش يريدون دائماً أن ينسبوا سبب خسائر الانتخابات. ومع ذلك، فإن الدورة النصفية عادية، حيث يميل الناخبون إلى إبقاء توازن الرئيس، لكنهم قاموا بمرور الوقت أيضاً بإنشاء حكومة منقسمة على مستوى الولاية. وقد أوضح عدد مفاجئ ممن اتصلت بهم أن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان تسبب في ضرر دائم لبايدن أكثر مما كان متوقعاً».
وقال تيد برادر، سياسي عالم في جامعة ميشيغان، كتب في بريد إلكتروني: كتب لي غاري جاكوبسون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، أن «الأشياء التي تمس الكفاءة (أفغانستان، الحدود، تقاعس الكونغرس) ربما تكون الأكثر أهمية» في خفض تصنيفات بايدن، ولكن «بالنسبة للمستقبل، فإن التضخم والاقتصاد العام سيكون الأكثر أهمية، على ما أعتقد».
ربما لا يوجد شيء أفضل يلخص المشكلات التي يواجهها الديمقراطيون من سعر الغاز الذي ارتفع خلال ما يقرب من 10 أشهر قضاها بايدن في البيت الأبيض.
لا أحد يتنبأ بالمخاطر المقبلة بإيجاز أكثر من لاري سمرز. ففي 15 نوفمبر، حذر سمرز، وزير الخزانة السابق، في مقالته في «واشنطن بوست» من أن «التضخم والشعور بعدم السيطرة عليه قد ساعدا في انتخاب نيكسون وريغان، ويخاطر بإعادة دونالد ترمب إلى السلطة».
* خدمة «نيويورك تايمز»