أموال ليبيا تهرب بالأطنان.. صدّق أو لا تُصدّق
مساء يوم الخميس وتحديدا بتاريخ 27 يوليو من العام الحالي، اتصل شخص سوري يُدعى “عبدالله العنزي” بالسفارة الليبية في العاصمة السعودية الرياض، وقال بـ”لكنة” بعيدة عن اللهجة السورية لموظف السفارة بأن هناك مواطنين ليبيين طلبوا منه شحن حمولة صناديق تقدّر بـ56 طن قادمة من عدة دول أفريقية منها كينيا والنيجر وغانا، وصلت إلى دولة بنين غرب أفريقيا، ويُريدان شحنها إلى السودان.
لم تكن هذه الحكاية أو الرواية المتعددة الفصول، بعيدة عن أعين المخابرات الليبية، لكون التفاصيل فيها غامضة، وتدعو إلى البحث عن مغزاها، لأن كل سطورها وكل ما سيحدث بعدها وما ستقرأونه بعد هذه التفاصيل الأولية، جاءت في وثائق سرية للمخابرات الليبية تحصّلت قناة 218 على نسخة منها، وفيها ما يُزعج أبطالها، الموزعين في ليبيا.
ولأن الحمولة قُدّرت بـ56 طنا، راود الشك المتصل “عبدالله العنزي” في هذه الحمولة، و بعد الكشف عن محتواها، كانت المفاجأة غير المتوقعة، أو المتوقعة في ليبيا التي أصبح فيها التهريب والاتجار بكل شيء مشروعا وغير مشروع، بعد العام 2011. واستباحت الأرض وثرواتها لمن لا يملك ضميرا أمام عجز الليبيين في الداخل في الحصول على كل شيء يمس حياتهم اليومية من مأكل ومشرب وحياة كريمة.
مدير العلاقات بشركة فورودنق GKAS، في جمهورية بنين، عبدالله العنزي، كما قدّم نفسه ، أوضح لموظف السفارة، أنه وبعد الكشف على الحمولة تبيّن أنها صناديق يحتوي كل منها ما يُقارب على 25 مليون دولار من طبعة المصرف المركزي في العام 2009، ومخزنة في مستودعات جمارك جمهورية بنين.
ولم يكتف العنزي بهذه المفاجأة خلال اتصاله بالسفارة، بل أضاف عليها بأنه عُرض عليه نسبة 10 في المائة من قيمة الحمولة مقابل إيصالها إلى السودان، وكشف بعدها عن “هديته” الثمينة للمخابرات الليبية، والتي كانت عبارة عن صور ضوئية من جوازات الليبيين المتورطين في عملية تهريب الأموال إلى السودان، وأنه يحاول كسب الوقت معهم، ويماطلهم حتى يتمكن من إبلاغ السلطات الليبية.
وفي لحظات التتبع التي رافقت هذه الوثيقة السرية، أماطت هذه التفاصيل اللثام عن شبكات “غسيل الأموال” والأطراف التي تُديرها في الخفاء، وتدعم الجماعات الإرهابية والتي لها علاقة بالفوضى في ليبيا، وخارجها.
وبالنظر إلى قيمة الأموال التي أفصح عنها “العنزي” للسفارة الليبية في الرياض، تُظهر أن الأزمة الاقتصادية في ليبيا، ليست وليدة اللحظة، بل تراكمات، مند زمن العقيد معمر القذافي، إلى زمن ما بعد فبراير.
وفي زاوية أخرى من هذه الوثيقة السرية التي تحصلت عليها قناة 218، والتي تتضمن وثائق سفر وإثباتات هوية خاصة بالـ”المتورطين”، تنكشف صور أخرى لا مرئية، تتمثل في أن هذا المبلغ “الفلكي” وارتباطه بالسودان، لا يعني أنه سيُستثمر فيها، في أغلب الحالات، لكونها تعيش وضعًا لا يختلف نسبيا، عن ليبيا، ولا تملك في المقابل أرضا خصبة لهذه الأموال، إلا في بعض الأعمال الخفية، والبعيدة عن الأجهزة الرسمية، التي في أغلب الحالات تكون على هيئة مشاريع غير قانونية. تُشبه ما يحدث في ليبيا، التي لا يهدأ فيها الدولار ومحاولاته للإطاحة بالدينار، لصالح “تجار الظل”