أكاذيب الجزيرة حول الجيش الليبي
عبدالوهاب قرينقو
كنت على وشك أن أعتمد العنوان التالي: ” أكاذيب الجزيرة حول وادي الدوم” لولا يقيني بأن قناة الجزيرة أكثر وسائل الإعلام افتراءً وتزييفاً للحقائق في التاريخ هي لاتنطق عن حرية بل وحي يوحى من أسيادها في البلاد المنبوذة .. هي الذراع الإعلامي لنظام يدعم الحركات العنفية التي تتظاهر بأنها اسلامية والدين منها براء.
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الشريط الوثائقي التحريضي المؤجج الذي انتجته قناة الجزيرة وبثته الأحد 28 يناير 2018 عن معركة وادي الدوم في شمال تشاد سنة 1987 وهزيمة الجيش الليبي هناك وتتهم فيه المشير خليفة حفتر بالعمالة للأميركان – (على أساس أن الجزيرة وسادتها المشبوهين ومريديها المفضوحين في ليبيا من اخونجية ومقاتلة هم من أشد المناضلين ضد أميركا )!! .
الجزيرة وبيادقها في ليبيا يخلطون الحقيقة بالخيال والعلمي بالسياسي والتاريخي بالبربوغاندا في استخدام سياسي رخيص يدعي المهنية الاعلامية ويرتدي ثوباً مفضوحاً يدعي الصحافة الاستقصائية معتقدين أنهم –( ببعض الفرقعات الموسيقية والمشاهد الإرشيفية والأقوال من صحف أميركية تكيل بكميالين وأكثر إزاء الجماعات الاسلاموية وتمثيل الواقع والاستدلال بشخوص غائمة وطنياً في ليبيا من ضباط وأطباء وموظفين وطلبة سابقين)- سيحققون منجزاً اعلامياً برواية شهادات يعرف بعضها أي ليبي وليبية في عمري ومنذ آمد بعيد
في انتظار رد وتصريح من إدارة التوجيه المعنوي أو الناطقين الرسميين في القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية – عن هذا الشريط المكرس لتحويل حفتر إلى شماعة تعلق عليها كل أخطاء وكوارث النظام السابق خاصة المتعلقة بالجيش وحرب تشاد – سأحاول أن ألملم الأفكار عن الشخوص الليبية المتواطئة –أو تلك التي على حسن نية واستغفال- التي تكلمت في الوثائقي الكذاب وقد أغفلت تماماً الكثير من الحقائق وأبرزها الدعم الفرنسي غير المسبوق آنذاك لنظام حسين حبري والمساندة اللوجستية –في الهجوم على قاعدة وادي الدوم من قِبل الأميركان- في اتفاق ثلاثي لانهاء الوجود الليبي في شمال تشاد وتثبيت حكم حسين حبري فيما تجاهل الشريط أكثر قصة القوات التشادية الصديقة الموالية للقوات الليبية في تشاد حين عاهدوا في الخفاء أبناء جلدتهم من الحكومة التشادية بقيادة حبري ورعاية فرنسية أميركية وتناسى الفيلم كذلك دعم العراق ومصر لتشاد طيلة حقبة التدخل العسكري الليبي في تشاد.
ثمة حقائق في الفيلم –يعرفها أي ليبي- ولكن هناك الكثير من التجاهل والإغفال لمحاور مهمة ومنها ماهو بديهي لمن شهدوا تلك الحقبة .. وأيضاً يحتوي الفيلم وبشكل سافر على الكثير من الأكاذيب الحمراء والرزقاء وكل ألوان الزيف والتزوير خاصة من المدعو فتحي الفاضلي ومن افترائته القول بأن في حرب تشاد ثمة استعمال لنساء ليبيات تم أسرهن واستشهد بفتاة تُدعى “صباح العبيدي” ليعطي ايحاءً بأنها امرأة ليبية مدنية زُجَّ بها في الحرب في حين يعرف كل الليبيين آنذاك الذين عاصروا الحرب من عسكريين وحتى مدنيين أنها ضابطة جيش نظامية في القوات المسلحة الليبية برتبة ملازم أول أو نقيب وكان عملها في قاعدة الدوم الضخمة التي تشبه القرية العسكرية بدليل ثمة أطباء ودكاترة ظهروا في الشريط يعملون هناك علاوةً على الكثير من المدنيين وقد حرص الشريط بقدرات الجزيرة على الإخراج والمونتاج أن يعطي الإيحاء بأن قاعدة وادي الدوم الليبية لا تُقهر وحرصوا على التذكير بأنها أكبر قاعدة في أفريقيا ! وجميعنا يعرف قواعد عسكرية برية وجوية في الداخل الليبي تضاهيها وبعضها أكبر –(وقد دمرتها مقاتلات الناتو سنة 2011 بمعونة مالكي الجزيرة التي تدعي اليوم الدفاع عن أرواح عناصر الجيش الليبي التي قضت في حرب تشاد 1987 في تناقض مريع ) – وكل هذا في محاولة يائسة وفي غاية التلفيق والافتراء للايحاء بوجود خيانة وتواطؤ في قوة الجيش-(يقصدون حفتر تحديداً !)- وإلا ماسقطت القاعدة – متناسين الدور الفرنسي والأميركي ناهيك عن القوات التشادية الصديقة التي غدرت بحليفها الليبي.
ومن مزاعم الفاضلي أيضاً أنه في طرابلس تم محاصرة الملاعب الرياضية لأخذ الشباب للحرب وفي الحقيقة هو ملعب واحد 11 يونيو وقبل 10 سنوات من اندلاع حرب تشاد في حملةٍ قام بها النظام للتجنيد الإجباري لضم الشباب من المدارس الاعدادية والثانوية إلى الخدمة العسكرية وتحويلهم إلى عسكريين نظاميين وقد حدثت في الكثير من المدن الليبية وأراد الفاضلي أن يدمج مأساة تجنيد طلبة الإعدادي والثانوي في 1986 وسوقهم للحرب الخاسرة في تشاد –( “أوزو” و “زوار” و “فايا لارجو” وليس الدوم فقط “-بما حدث في السبعينات .. (وفي كلا الحالتين لا علاقة للمشير حفتر بالأمر بيد أنَّهُ كان آمراً لمنطقة طبرق العسكرية ولاحقاً لعموم المنطقة الشرقية ، حيث أن التجنيد الاجباري في السبعينات أو أخذ الطلبة للحرب في النصف الثاني من الثمانينات كانت آوامر فوقية من النظام في المناطق الوسطى بقيادة الضابط حسن اشكال والجنوبية والغربية بقيادة ضباط آخرين ) .
وفي حين أننا ندين أكثر من المزايدين تجنيد الصبية والشباب الصغار وأن كلا الحادثتين كارثيتين وأدانهما كل الشعب الليبي في الحين إلا أن الفاضلي يخلط الأوراق ليس لإدانة النظام بل في عمل طفولي ساذج سافر ضد المشير حفتر وبالتالي ضد الجيش الحالي الذي يعرف الاخونجية والمقاتلة – ومن دار في فلكهما – جيداً ألا وجود لهم في المشهد السياسي بقيام دولة ديموقراطية وحريات ومؤسسات وجيش نظامي –و نفس التجني سيقع على أي ضابط يقود الجيش فاستهداف الجزيرة وأربابها والإخوان وبقايا القاعدة هو باتجاه الهيكل لا الشخوص – وإلا لماذا لايدين الفاضلي استغلال الأطفال والطلبة اليوم ومنذ 2011 حيث زُجَّ بهم في حروب تلو الأخرى من حرب ثورة فبراير إلى ما سُمي بعملية قسورة أو فجر ليبيا وتدمير المطار ومقاتلة إخوتهم من ثوار فبراير وغزو ورشفانة واقتحام حرمة مدينة بني وليد وغيرها من حروب ومعارك وآخرها اشتباكات طرابلس في محيط مطار امعيتيقة ناهيك عن الحروب القبلية والجهوية أو حتى محاربة الإرهاب والحديث يطول عله يتحول إلى مادة اعلامية مرئية تفضح التواطؤ الاسلاموي الليبي من دمى الجزيرة الذي يريد الضحك على ذقون الليبيين مرةً أخرى ولكن هيهات بعد أن ذاب الثلج وانكشف المرج منذ 2012 .
لو افترضنا جدلاً أن حفتر بعد عودته إثر ثورة فبراير ابتاع بيتاً له ولأسرته وأقام في طرابلس أو أية مدينة ولم يدخل في أي حرب هل سيكون مستهدفاً بهذا الشريط ومع كل هذه التهويلات والالتواءات على الحقائق؟! .. أكيد الاجابة “لا” .. وماذا لو كان ضابطاً آخراً من يقود الجيش اليوم ؟!! .. الإجابة : سيفترون عليه بشريطٍ مماثل ! ..
بمعنى أن لهذا الشريط أجندته السياسية الواضحة لإحباط أي تفعيل لقوات مسلحة ليبية وفي سبيل مناصرة الطرف الراديكالي من ثورة فبراير وسارقيها وراكبيها ومستخدميها ضد الطرف الذي يسعى لبناء دولة القانون والمؤسسات .
وكائن من كان قائد الجيش ستقوم الجزيرة ومن ورائها أصحابها بقضها وقضيضها لتنتج أفلامها الوثائقية التي تدس السم في الدسم مثيرةً للفتنة بين أبناء الشعب الليبي الواحد في تدخلٍ خارجي سافر في الشؤون الداخلية للبلاد المكلومة المُنتهكَة .
الأمر ساطع كشمس ليبيا الحرة الأبية في أن جزيرة التأجيج والتسطيح الأحمق ترغب في تكرار الانحطاط والدناءة في استغفال الليبيين للمرة الثانية ففي حين كانت بأعوانها في ليبيا وراء عدم تنفيذ خطة المكتب التنفيذي التابع إلى المجلس الانتقالي بنشر الجيش في العاصمة 2012 والذي لو تحقق ماخرجت علينا الكيانات العسكرية الموازية من جماعات مسلحة ومليشيات مؤدلجة سيطرت على العاصمة وبالتالي مفاصل الدولة .. فهاهي الجزيرة وملاكها ترجع اليوم لتؤلب الذين ما تزال تستغفلهم من بيادق وأدوات متطرفة في ليبيا لوأد فكرة اتحاد الجيش الوطني في مهدها لاسيما مع قرب نجاح الليبيين في التوافق والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة .. وأكثر: اجتماعات ضباط ليبيا في القاهرة لتوحيد هيكلية القوات المسلحة الليبية النظامية ..
. . . . فانتبهوا ياليبيين .. فالمؤمن لايُلدغُ مرتين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الجزء الثاني من المقال حقائق تاريخية من شهود عيان
وأغاليط فنية ومعلوماتية وقعت فيها قناة الجزيرة التأجيجية.