أحكامُ “طالبان” في طرابلس
أثارت جملةٌ من الأحكام القضائية صادرةٌ عن دائرة الجنايات بمحكمة استئناف طرابلس، الجدل، بعد أن نشرها “جهاز الردع”، إذ تظهر إصدار أحكام رسمية بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.
ورأى متابعون أن هذه الأحكام تُمثّل مؤشرًا غير قابل للشكّ، على بداية حملة ترويجية لعودة التطرف الديني، وخطوة أولى نحو ترسيخ تفسيرات متطرفة للآيات القرآنية؛ تحت ذريعة تطبيق القانون الذي لا يختلف على وجوب إنفاذه اثنان.
ولتزامن هذه الأحكام مع تقرير ديوان المحاسبة الذي يعج بالتجاوزات المالية الضخمة وجرائم النهب الممنهج للخزينة الليبية؛ أمطر الليبيون منشور هذه الأحكام على مواقع التواصل الاجتماعي بسؤال موحّد عن مصير المسؤولين الضالعين في هذه الاختلاسات، وعن موعد محاسبتهم ووقوفهم أمام القضاء لنيل عقوباتهم، وأين أصحاب هذه الأحكام عن هؤلاء المسؤولين، وجرائمهم المُعلنة على الملأ، هذه التعليقات التي انهالت على المنشور كانت إعلانًا صريحًا لفشل محاولة “جس النبض”.
وبعيدًا عن الجرائم المالية؛ تطول قائمة الانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي رعاها مسؤولون عن تجنيد مئات، بل آلاف الشباب الأبرياء والزج بهم في ساحات القتال، لتبرز حجم النفاق العلني الذي ينطوي وراء هذه الأحكام ومن يقف وراءها في هذا التوقيت من رحلة البلاد نحو الاستقرار والمدنية، ويفرض سؤالاً بديهيًا مفاده، وماذا بعد تمرير أفكار قطع الأيدي والأرجل؟
وتعيدُ الأحكام القضائية المذكورة في الوثائق المنشورة، الأذهان إلى حكم “طالبان” المتطرف، وسمعته الملطخة بالدماء على مستوى دولي؛ ممّا يعني أن هذه الأحكام ما هي إلا إنذار أولي يستوجب وقفةٍ ليبيةٍ جادّةٍ في وجه المحاولات المكشوفة للعقول المتطرفة لتمرير أفكارها بمغازلة الجانب الديني لدى المواطن.
وتتعارض هذه الأحكام بصورة حادة مع الأطر الرئيسة، التي وضعتها مواثيق حقوق الإنسان عالميًا، حيث ترتكز آلية العقاب فيها على أولوية إصلاح الجاني، وإعادة تأهيله وفقا لحسابات قانونية وإنسانية واجتماعية مُحدّدة، وضعت من قبل خبراء وحقوقيون عالميون، تخلّت على إثرها، العديد من الدول عن إقرار مثل هذه الأحكام بعد توقيعها على هذه المواثيق، فهل نشهد في ليبيا عودةً إلى الوراء، أم أن الفكر الليبي المعتدل سيقول كلمته؟.