كتَـــــاب الموقع

أبوسليم !

عبدالوهاب قرينقو

لا يملك المواطن المسحوق تحت نير الفوضى والعوز والذعر والأزمات إلا ان يقول لك الله يابلادي .. ففيما تنشغل الحكومات المتشظيّة المتناثرة في لعبة الكراسي وحكم عسكري يصدر قراراً مريباً يمنعنا من السفر، ترد عليه حكومة وفاق تبحث عن ثقة ببيانٍ يدين القرار، فيما تشتعل أبوسليم كبرى أحياء العاصمة وتمتد النار إلى أطراف قريبة منها مهددة طرابلس بشبح حرب أهلية.
(1)
عاصمة البلاد التي حافظَ من حافظَ في 2011 على أن تنجو من حرب الثورة بلا دماء هاهي اليوم تقترب من فتنة لا تُبق ولاتذر. عاصمة لا تحكمها قبائل وعشائر ليهرع الشيوخ للمصالحة كما يحدث في مدن النزاع لرأب الصدع ورتق صلح – يرضي الأطراف – وإن كان هشاً لا يضمن طيش الشباب.
طرابلس العاصمة والمدينة المختلفة عما عداها في مدن البلاد عصية على الفهم أحيانا ولكن وإن حكمها في الظاهر اليوم مؤدلجين عُنفيين داخل بدلات إفرنجية ولحى “محددة” إلا أن لا أحد ولا تيار بعينه يزعم امتلاكها بالكامل ولا أحد يضمن متى تنفجر أو متى تستكين.
(2)
وما لا يتمناه أي ليبي أن تتمدد هذه المعركة البائسة بين مليشيات مؤدلجة تسعى إلى اقتحام أبوسليم وأخرى من أبناء الحي الكبير تستميت في الدفاع عن “البي سي” كما كان يروقنا تسميتها في الثمانينات يوم كانت تشهد تحولها إلى تطور معماري أفضل وانحسار شهرتها بالفتوات والصعاليك والقدعان وحتى المارقين كون “البي سي” كان الحي الكوزموبولتي الأبرز في طرابلس فالكثافة السكانية التي مثلت كل مدن ليبيا شكلت منه منطقة شعبية في كوكتيل ليبي متفرد.
(3)
بعد نجاح انتفاضة فبراير ومع تدخل دولة عربية معروفة بشكل سافر ــ مع ممثليها الليبيين في العاصمة ــ في عرقلة خطة المجلس التنفيذي من أن ينشر عناصر القوات المسلحة النظامية في المدينة تخلّقت المليشيات الثوروية وكان لأبي سليم فيها نصيب بقوة تشكلت من أبناء المنطقة. واليوم نختلف أو نتفق مع المليشيات بين مهاجم ظالم أو مدافع مستميت وبشراسة عن منطقته وحييه وشارعه – فإن الأمور ليست دائماً كما تبدو عليه!
ولم يعد المواطن ــ الليبي عموما ــ يثق في كل شيء حتى في الشرعي والنظامي .
(4)
البارحة كانت ليلة ليلاء من الألم والوجع والانشغال هنا في الغربة، وفي طرابلس كانت الشوارع تشتعل – على مرمى حجرٍ وألمٍ وعار – من حكومتين متبجحتين بالوطنية ولعب دور المنقذ بالأمس وإلى اليوم والمعارك تتواصل والبارحة كنت على اتصال مع صديق من “أبوسليم” حكى لي بحرقة وتحدث عن المعركة الشرسة وما يهمني أكثر – في هذه السانحة – معاناة الناس الأبرياء الذين لا ناقةَ لهم ولا جمل في كل هذه الحروب الغبية بين شركاء الوطن أو المفترض أنهم كذلك.
(5)
مما خبَّرني به صديقنا البوسليمي، صغتُ هذا الخبر :
( وصف شاهد عيان ما يحدثُ قرب مسجد بوشعالة في ضاحية أبوسليم – التي تشهد اشتباكات عنيفة هزت العاصمة طرابلس – بالمشهد الكارثي وأن الناس في حالة رعب حقيقي وأضاف بمرارة أنه دخل في نوبة بكاء وهو يرى هلع أسرته. وأضاف أن المقاتلين المشاة يسيرون في الشوارع وبعض الناس يهيمون في الشوارع لا يعرفون إلى أين يتجهون وسط الطرد والمطاردات، الرماية برشاشات “الميم طاء” أربعطاش ونص وثلاثة وعشرين لاتتوقف ودانات مدافع الهاون تسقط قربنا في الجوار؛ وخلص إلى القول أن المنطقة لم تشهد مثيلا لهذا الاشتباك فأصوات الضرب والرماية من جميع الاتجاهات .. إنهُ قتال حقيقي) .
(6)

مقال واحد ربما لا يكفي، فقد بدأ صراع العاصمة فيما يبدو، وربما في مقال قادم أُورد تفاصيل هذه المعارك في أبوسليم وحجم الهلع والضحايا بين الأبرياء. وما أتمناه أكثر أن تتوقف هذه المعركة وكل مهازل الوطن وتكون مقالتي عن السلام في العاصمة وكل البلاد.
وما لا يتمناه أي ليبي أن تصيب عدوى أبوسليم الأحياء الكبرى المجاورة والبعيدة من طرابلس الكبرى، فتنشب الحرب التي لايُحمدُ عُقباها، فمعارك الشوارع لا تتحول إلى حروب أهلية إلا في العواصم .. حفظ الله ليبيا
ــــــــــــــــــــــــــــ
خاص 218

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى