آيديولوجيا اللغة
باربارا جونستون
ترجمة: عمر أبوالقاسم الككلي
يتكون أحد تشكيلات set المعتقدات حول ما هو” طبيعي” من أفكار حول ما هي اللغة وكيف تعمل. وآيديولوجيا اللغة تتصل بالطرق التي يتم بها تصور اللغة ويعتقد أنها تعبر بها عن مناح أخرى من الحياة الاجتماعية. فالمعتقدات المتمحورة حول علاقة اللغة بالواقع وكيفية عمل الاتصال وحول السلامة اللغوية والخير والسوء والفصاحة والعي، تمثل، كلها، جوانب من آيديولوجيا اللغة، مثلها مثل المعتقدات المتعلقة بدور اللغة في تشكيل كينونة الفرد والمعتقدات الدائرة حول كيف تم تعلم اللغة وتللك المنصبة على ما هي الوظائف التي ينبغي أن تكون للغة وما هي السلطات المسؤولة عن اللغة وما إذا كان، وكيف، ينبغي تقنين استخدام اللغة، وما إلى ذلك. إن آيديولوجيا اللغة محط اهتمام دارسي اللغة و كذلك دارسي الحياة الاجتماعية، لأن المعتقدات الدائرة حول ما هي اللغة وكيف تعمل يمكن لها أن تمس اللغة مثلما تمس العلاقات الاجتماعية بين المتكلمين. لقد سبق لآيديولوجيا اللغة أن بُحثت في سياق الأنثروبولوجيا اللغوية linguistic anthropology ( Silverstein, 1979; Joseph and Taylor, 1990; Schieffelin, Woolard, and Krostrity,1998 ) كما إن علماء اللسانيات الاجتماعية sociolinguists اهتموا هم أيضا بالكيفية التي تؤثر بها المعتقدات حول اللغة على الخيارات التي يتبناها المتكلمون. فالبحث في مجال آيديولوجيا اللغة يظهر كيف أن الخيارات اللغوية والتغير اللغوي تتأثر بتصور الناس عن اللغة واستعمالها ويكشف عن توزع عمليات صياغة المفاهيم السائدة حول اللغة ووظائفها والنضال من أجل تسويد المفاهيم.
فالصورة السائدة حول عملية الاتصال، على سبيل المثال، في التقليد الغربي سميت “قناة المجاز. conduit metaphor” ( Reddy, 1993 ) ذلك أن الأفكار، في النظرة الغربية القياسية ( وهي قياسية إلى درجة أنها نادرا ما يتم تحليلها وعادة ما يتم تعليمها) هي أشياء ملموسة objects. فالمتحدثون يغلفون أشياءهم الملموسة الفكرية idea-objects في كلمات وجمل ثم يرسلون المغلفات اللفظية كما لو عبر أنبوب إلى المرسل إليهم [المخاطَبين]. فيقوم المرسل إليهم عندها بفتح الحوافظ ويأخذون الأفكار من الكلمات التي تلفها. هذه الرؤية للعملية جلية من خلال المجازات التي نستخدمها عند الحديث عن الاتصال: فنحن “نضع الأفكار في كلمات” و المعاني “تلاقي” محادثينا، و نحن “نكشف” عن، أو “نزيل ما يلف”، المعنى أو “نخرج الأفكار الرئيسية”. بعض الأفكار يصعب أن “توضع في “كلمات، وبعض الكلمات” لا تناسب” بشكل كاف أفكارا ما. المرسلون غير الأكْفاء هم أولئك الذين لا “يوصِّلون” بوضوح.
النظر إلى التفاعل بهذه الطريقة يجعل الناس ميالين إلى الإيمان بمعتقدات أخرى حول اللغة والخطاب. فعلى سبيل المثال تؤْثر قناة المجاز الاستخدامات المرجعية للغة- استخدامات اللغة بهدف إيصال معلومات- بحيث يكون من الصعب الحفاظ على الوظائف غير المرجعية للغة (استخدامات اللغة لخلق أشياء جمالية، أو لتوثيق الصلة بين الأشخاص، من أجل تعزيز السيطرة أو النضال ضدها، للتعبير عن الاستقلال الأخلاقي للمرء، وما إليه) في مرمى النظر. في مجال العلاقات بين الأشخاص كثيرا ما يتهم الناس بعضهم بعدم الوضوح أو عدم قول ما يعنونه (أي أنهم لا يغلفون أفكارهم بشكل صحيح)، على الرغم من أن المشكلة توجد في مكان آخر داخل عملية التفاعل. ( Gumperz,1982a; tannen,1986b) في دنيا تكنولوجيا المعلومات يوحي فصل الكلمات عن الأفكار إلى جانب الفكرة القائلة بأن الكلمات أغلفة للأفكار بأن الاتصال يمكن أن “يصمم” من قبل شخص ما بينما يقوم شخص آخر بتوفير “المحتوى”. يتم استئجار الكتاب الفنيين في عالم التجارة ليستخلصوا أفكار الباحثين و “يضعوها في كلمات”، وإذا ما نظر إلى الكلمات والجمل باعتبارها أغلفة للأفكار فيمكن عندها قول “ذات الشيء” بطرق مختلفة، ما دام نفس الشيء يمكن أن يأتي في أغلفة متنوعة (لفة هدية، ورق بني بدون زخرفة، صحيفة، بلاستك). وهذا يعني أن علماء اللسانيات الاجتماعية يمكنهم الحديث عن “متغيرات” من الطرق المتنوعة لإيصال “نفس” المعنى يختار المتكلمون من بينها [ما يناسبهم] لأسباب اجتماعية كالطبقة والجنس. وهذا يعني أيضا أن المعلمين يمكن أن يوحوا لطلبتهم بأن تخليهم عن لهجاتهم المحلية لصالح [لغة] المدرسة مماثل لارتدائهم الزي المدرسي (مادام يمكنك، وفقا لهذه الطريقة في التفكير، قول نفس الأشياء في لهجات مختلفة مثلما يمكن لنفس الشخص ارتداء ملابس مختلفة). هذا يعني، بكلمات أخرى، أنه لدينا توجه مسبق للنظر إلى طرق الكلام المختلفة كما لو أنها ألبسة اجتماعية وليست أنماطا مختلفة من الكينونة، “أشكالا من الحياة” مختلفة.(Wittgenstein,1953) تؤثر آيديولوجيات اللغة على مجالات عدة من الحياة العامة والخاصة. ففي مجال التعليم تمارس المعتقدات المتعلقة بالصواب، القياسية، واللياقة تأثيرا على كيفية وضع المنهج وتقويم الطلبة. فمرسوم إصلاح التعليم البريطاني الصادر سنة 1988، على سبيل المثال، يطرح “منهجا وطنيا” أثار جدلا عاما حادا حول دور “النحو” في تعليم الإنغليزية يشفق على أولئك الناس الذين يساوون “الإنغليزية” بالإدراك الواعي للقواعد الملزمة الخاصة باستعمالات اللغة أو مهارات الكتابة المتقنة التلقائية من أولئك الناس الذين نظروا إلى “الإنغليزية” باعتبارها تشكيلا متغيرا من الاستراتيجيات يتم التعامل من خلالها مع العالم في سياقات مختلفة( cameron,1995) . و على هذا الأساس تمكن إعادة صياغة الحجج المتعلقة بـ “ـالاستقامة السياسية” في المملكة المتحدة وأمريكا الشمالية منظورا إليها كحجج مرتبطة بالعلاقات بين الكلمات و “المعاني”. فالمفهوم الغربي للمؤلف- خالق الأفكار والنصوص المسؤول عما تعنيه وإلى من تعود ملكيتها- يمكن أن يعارض بالطرق المختلفة التي تم بها تحديد وظائف أدوار الكلام وعلاقاتها بالخطاب في أنظمة أخرى يمكن النظر إلى النصوص فيها كأبنية موصولة أو ملكية مشاعية .( Hill and Irvine,1992) ويمكن للمعاني التي تعزى إلى الكلام بـ “ـلكنة” أن تعمل في خدمة الآيديولوجيات السائدة حول من له الحق في السلطة السياسية والاقتصادية(Lippi-Green,1997) كما يمكن لتفاصيل معينة من طرق النطق أن تكتسب مغزى آيديولوجيا في تعريف النفس والجماعة في سياق الاقتصاد العالمي والتغير الثقافي. فالمعتقدات المتصلة بما يعنيه أن يبدو المرء “من هنا” قد يكون له، على سبيل المثال، تأثير على منحنى التغير في طرق الكلام المتنوعة في جهة ما في الأماكن التي يتوقع فيها من وسائط الإعلام الجماهيري والحراك الجغرافي والاجتماعي أن يقود الناس باتجاه أن يبدوا مثل الناس في أي مكان آخر. يكرر المواطنون الأصليون في أوكراكوك، الذين كانوا مجتمعا صغيرا معزولا من الصيادين في جزيرة واقعة على ساحل الولايات المتحدة الإطلنطي، للسواح جملة واحدة يعتقدون أنها تختزن مايبدو عليه الأوكراكوكيون الحقيقيون( Schilling-Estes,1998) . هذه الجملة هي:”Hoi toid on the south soid” حيث الصوت المحلي(oi) تنويع للصوت (ay) وحيث يجعلون من هذا الصوت مؤكدا على “لهجة” الأوكراكوكيين ورمزا، وربما حتى أساسا، لها.
(*)العنوان الأصلي للمقال: Language Ideology وهو مأخوذ من كتاب: تحليل الخطاب Discourse Analysis الصادر عن دار نشر
Blackwell publishers 2002.
(**) أستاذة البلاغة واللسانيات في جامعة Carnegie Mellon مؤلفة كتب: القصص والمجتمع والمكان (1990)، التكرار في الخطاب العربي (1991)، اللسانيات الفردية (1996)، والمناهج النوعية في اللسانيات الاجتماعية ( 2000). إضافة إلى عدة مقالات ومشاركات في كتب أو تحريرها.