9 عظماء حفظوا تاريخاً ليبياً عريقاً.. ربما لا تعرفهم
218TV.net خاص
على غرار الرواية الشهيرة “السبعة العظماء” والتي أنتجتها هوليوود فيلماً سينمائياً ، يحكي د.جوليو لوكاريني عالم الآثار البريطاني في معهد مكدونالد للبحوث الأركيولوجية في كامبريدج قصة تسعة ليبيين مغامرين للتنقيب عن الآثار في برقة، وقد أطلق عليهم نفس الوصف “العظماء التسعة”.
وكتب لوكاريني مقالاً مطوّلاً عن هؤلاء التسعة الذين وصفهم بالشجعان وأصحاب القلوب المعطاءة ، نظراً لتحديهم تنظيم داعش والظروف الأمنية المعقدة في التنقيب عن مغامرتهم الشجاعة.
ويعمل هؤلاء الأثريون بحفريات في كهف “هوا فطيح” بمدينة برقة وهو أحد أهم المواقع الأثرية التي تعود لحقبة ما قبل التاريخ في قارة أفريقيا كلها.
وكتب لوكاريني في مقالته:” ومع وجود داعش على مرمى حجر منهم، فقد أنجزوا مهمّة إتمام حفريات كهف هوا فطيح في برقة، ففي 2013، اضطر فريق الباحثين الدوليين بالموقع إلى إيقاف عملهم، فقام تسعة علماء آثار ليبيين – امرأتان وسبعة رجال – بإتمام الحفريات بأنفسهم بنجاح محافظين على أسراره للأجيال القادمة. وبهذا يمكن كتابة تاريخ المجموعات البشرية على طول ساحل شمال أفريقيا خلال الـ100 ألف سنة الأخيرة”.
ويُعتبر “هوا فطيح” أكبر كهف كارستيّ في حوض المتوسّط (بقياس 80 * 20 متراً) وهو مفتوح على البحر على مسافة قصيرة من مدينة سوسة، المعروفة أبولونيا القديمة. وهو نوعٌ من المأوى الطبيعي وسكنه البشر دون انقطاع من فترات ما قبل التاريخ حتى الآن
ويضيف لوكاريني:” وقد دُرس للمرة الأولى بين 1951 و1955 من قبل تشارلز مكبورني، وهو عالم آثار من جامعة كامبريدج، ذات الجامعة التي استأنفت البحث في 2007 تحت إشراف البروفسور قرايم باركر، بالتعاون مع مصلحة الآثار الليبية وفريق من الباحثين الدوليين، بما فيهم أنا”.
وقد وجد العلماء في الكهف آثاراً مرتبطة بالعصر الحجري القديم الأوسط، وقد أخذهم الكهف في رحلة عميقة عبر الزمن.ابتداءً من طبقات تعود إلى 70,000 سنة مضت حيث اكتشفت البقايا الإنسانية الوحيدة في الموقع، وهي قطعتان من فكٍ سفليّ للهوموسيبيان [الإنسان العاقل].
وهذه الآثار الإنسانية شهادةٌ مؤثرة عن وصول أسلافنا إلى ساحل شمال أفريقيا. ثم يمكننا فحص طبقات العصر الحجري القديم الأعلى على طريقنا إلى العصر الحجري الحديث، حيث الظهور الأول في شمال أفريقيا لأنواع من الحيوانات المستأنسة ونباتات بلاد الشام.
ويضيف العالم:” بالاستمرار في رحلتنا نحو السطح، عبر طبقات ترجع إلى الفترة الكلاسيكية ومن ثم إلى طبقات أحدث، نصل إلى العصر الحالي. مثل صورة مجمّدة رائعة قد امتدت لآلاف السنين، ومازال هذا الكهف مستخدماً حتى يومنا من قبل عائلات الرعاة، كمأوىً للماشية”.
وأشاد لوكاريني بالاحترام الكبير الذي يلقاه هذا الكهف وآثاره من قبل السكان المحليين.
وأضاف:” رغم عدم الاستقرار في ليبيا الذي تبع سقوط نظام القذافي في 2011، واصلنا العمل في هوا فطيح – وإن كان ذلك بصعوبة بالغة – حتى سبتمبر 2012 عندما اغتيل السفير الأمريكي لليبيا كريس ستيفنز في بنغازي. وصلتنا الأخبار المريعة عندما كنا ننقّب في الكهف. أصابنا إحساس عميق بالخسارة، ولكن أيضاً بالقلق على سلامتنا. غادرنا ليبيا بعد بضعة أيام”.
وتابع:” وبعد عدة أشهر من التردد وحملة قصيرة جدا في 2013، قرر قرايم باركر على مضض إيقاف الحفريات. فداعش قد سيطرت تماماً على مدينة درنة، على بعد 60 كيلومتراً شرق هوا فطيح، وكان الخطر على سلامتنا أكبر مما يُحتمل”.
واستدرك:” ولكن زملاءنا الليبيين استمروا في مراقبة الهوة العظيمة المفتوحة، وبعد فترة قصيرة أخبرونا بأن جدرانها، المكشوفة منذ 2008، لن تظل قائمة لفترة طويلة. من أجل حماية وإنهاء عمل سنواتٍ، كان ينبغي أن تختتم الحفريات بأسرع وقت ممكن”.
ويقول أحمد سعد من جامعة بنغازي وهو أحد علماء الآثار التسعة:“ يمكننا فعلها وحدنا. مازال بإمكاننا العمل بأمانٍ كافٍ. سنكون دقيقين وسريعين.” لذلك، ودون أي تأخير، انتقلت “رئاسة” العمليات إلى أحمد وفريقه من الأركيولوجيين المحليين: فضل عبدالعزيز، أكرم الورفلي، معتز الزاوي، سعد بويادم، بدر شماطة، أسماء سليمان، ريما سليمان، وأيمن العرفي”.
وبدأت حملة الحفريات الأولى في 9 مايو 2015، وكان يفترض أن تستمر لشهرين، ولكنها أوقفت بعد أربعة أسابيع فقط. ثم تدهور الوضع بسرعة. وتناثرت أنباء أنه قد تم رؤية مسلحي داعش في منطقة سوسة. مع سماع إطلاق النار وصوت الصراخ. فسيطر التوتر والخوف على الطاقم، ولكن لم يتوقفوا.
ويضيف السيد أحمد:” حامت طائرات ومروحيات قوات الجوية الليبية فوق الكهف. ولم نكن أبداً متأكدين أنهم على علم بوجودنا في المنطقة، وتخوفاً من أن يظنوا خطاً أننا إرهابيون، كنا نجري لأخذ ساترٍ في بطن الكهف كلما سمعنا صوت طائرات مقتربة. أتذكر يوماً أنني كنت أحمل على كتفي أنبوبا بلاستيكيا طويلاً كنا نخزن فيه الرسومات الستراتيقرافية للحفريات، وعند سماع صوت مروحية مقتربة جذب فضل الأنبوب ورماه بعيداً عنّا، خوفاً من أن يُعتقد خطأً أنه قاذف صواريخ. كنا متوترين جداً، وأخيراً عندما ابتعدت المروحية، نظرنا إلى بعضنا وانفجرنا ضاحكين”.
ويتابع:” كان خوفنا يتعاظم ولكننا تابعنا العمل. ولكن، يوماً ما، جاء صديقٌ وهو يجري، ويصيح بأنه قد رأى ليلة البارحة رجالاً ملثمين في محيط الكهف، يكاد يجزم بأنهم مسلحو داعش. وبعد قليل جاءت شرطة سوسة وأجبرتنا على إيقاف العمل. لم يكن من السهل إقناع الشباب بأنه لم يعد بمقدورنا الاستمرار. كانوا يكررون القول ‘مازال بإمكاننا العمل بأمانٍ كافٍ. سنكون دقيقين وسريعين’. ولكننا جمعنا معداتنا بتردد وتركنا الكهف.”
ولكن هذه لم تكن النهاية أبداً. بعد شهرين، وبفضل تحرير درنة من ميليشا داعش، عاد “العظماء التسعة” إلى الكهف واستطاعوا أخيراً إنهاء الحفريات. تنهّد أحمد قائلاً: “لا تسمونا بالأبطال.. لم نقم إلا بما ينبغي علينا عمله، كأركيولوجيين وكليبيين”. ولكن، في بلد مثل ليبيا، حيث الإرث الثقافي في خطرٍ عظيم، فإنّ إنجاز زملائنا كان استثنائياً من حيث دلالته، إذ بيّن أن الليبيين لم يستسلموا، وأنهم يرغبون في استعادة إرثهم الثقافي وتحديد مصيره بأنفسهم.