عيدُ الليبيين.. “عين تضحك وعين تبكي”
خاص 218
أحلام المهدي
أن تراقب المشهد عن بعد، ليس أبدا كأن تكون جزءا منه وتغرق في تفاصيله، وأن تسمع من أحدهم أن ارتفاع الأسعار قد بلغ حدّا لا يُطاق ليس أبدا كأن تقف أمام البضاعة المعروضة في أحد الأسواق وأنت تتحسّسُ جيبك، وتراقب بعينين مصدومتين قُصاصات الورق الصغيرة على العُلب والأكياس، والأسعار الكبيرة التي طُبِعت أرقامها الكثيرة بدقةٍ على كلّ منها.
في منطقة “الوادي” على مشارف مدينة غريان، تتناثر عدّة قرى جبلية، كان آخر عهد ساكنيها بالنقود منتصف “رمضان” الماضي، عندما سلّمهم “شيخ المحلة” مبلغا لا يتجاوز “400” دينار، ليمضي شهر الصوم والعيد الصغير بأعجوبة، وبدعمٍ من طبيعة المكان، بعد أن لجأ الكثير من السكان إلى مزارعهم وبساتينهم التي هجروها طويلا، ولتتحوّل حتى المساحات الصغيرة الملاصقة للبيوت إلى مصدرٍ للدخل لا يخضع لسلطة مدير البنك أو شيخ المحلة!
وبعد أن كانت الشاحنات المحمّلة بالمنتجات الزراعية تصعد “أبو غيلان” المتعرّج قادمةً من “العزيزية”، “السواني” و”الزهراء” وغيرها من المناطق، صار المحليون يزرعون ما يحتاجونه بأيديهم، ويُحضرونه من على بعد خطوات من البيت، ليلوي الليبي هناك عنق الظروف، وينجح نوعا ما في ذلك، حتى أن كبار السن لا تجري على ألسنتهم عبارة أكثر تفاؤلا من “ما حد بيموت من الشّر”!
ومع اقتراب العيد، تنتشر “زرايب” الأغنام في كل مكان، في طقوسٍ تعوّد الناس عليها، لكن الجديد في الأمر هو أن ظاهرة البيع بالصكوك التي استشرت مؤخرا في السوق الليبي، قد تجاوزت المواد الغذائية والملابس والأحذية إلى “خروف العيد”،مع زيادةٍ ترتفع بمرور الأيام، وما يعجز الليبي عن سحبه من المصارف يضع التاجر يده عليه بكل سهولة ويُسر، بموجب صكٍّ يوقعه صاحبه وهو “عين تضحك وأخرى تبكي”!
فهو يعلم أنه مجرد “ضحية”، لجشع التجار من جهة، ولتخبّط السياسيّين من جهةٍ أخرى، لكنه لا يملك بديلا عن ذلك، ليقرر مُكرَها أن يشحذ بيديه السكين التي ستحز عنقه تماما كما ستحز عنق أضحيته، ولأنه لا يملك “400” دينار نقدا، سيدفع “800” بتوقيع سريع على ورقة صغيرة، وكغيره من الأعياد سيتحوّل العيد الكبير إلى عبءٍ آخر يثقل كاهل الليبيين ويخنق الفرح في أيامهم.