4 قاصّات عربيات لـ”218″: وهج القصة القصيرة يخفت يوميًا
خاص 218| خلود الفلاح
هنا لا نصنف الأدب، ولكن نتحدث عن فن إبداعي، ألا وهو القصة القصيرة من وجهة نظر كاتباتها، وإن كان الجميع ينتصر للأدب فقط.
هنا وقفةٌ مع أربع قاصات عربيات، قدمن أعمال قصصية، بلا شك قدمت صورًا مختلفة عن الحياة والمجتمع الذي يعيشن فيه، فكنّ البوابة التي يدخل منها القارئ ويتعرف على خصوصيات وتفاصيل كل مجتمع.
في هذا الاستطلاع؛ سألنا، هل القصة القصيرة تُعاني من الإهمال إعلاميًا ونقديًا؟ وهل المجاميع القصصية لا تجلب الشهرة في غياب جوائز مخصصة لها كما في الرواية؟
أكدت القاصة الأردنية سامية العطعوط أن القصة القصيرة تعاني من الإهمال لدينا، كما هو الأمر بالنسبة إلى الشعر، وتلفت العطعوط إلى أن الرواية بالزخم الذي حصلت عليه لتعدد الجوائز المهمة في مجالها على الصعيديْن العربي والعالمي، تحظى بالاهتمام إعلاميًا ونقديًا، يُضاف إليهما حركة الترجمة النشطة للروايات من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية وتحديدًا اللغتين الإنجليزية والفرنسية، واهتمام دور النشر بالرواية على حساب الأنواع الأدبية الأخرى، كل ذلك، دفع بالكتّاب ودور النشر والنقد والإعلام وليس انتهاء بالقراء، إلى الاهتمام بالرواية.
تضيف: “ومع ذلك، فإننا نلحظ أن الغرب، على الرغم من اهتمامهم بالرواية، إلا أنهم يفسحون المجال للقصة القصيرة والسير الذاتية للانتشار والحصول على الجوائز في مجالاتها، ويولون اهتمامًا خاصًا بالشعر والمجموعات الشعرية الجديدة الصادرة، فالصحافة الأدبية لديهم ما زالت تهتم بالإصدارات وتحديدًا اللافتة منها، وتقدمها إلى الجمهور باحترافية”.
وتقول صاحبة كتاب “كأي جثّةٍ مبارَكة”، في الخمسينات والستينات كان عدد القاصين محدودًا وكذلك المجموعات القصصية التي تصدر في الوطن العربي، كان من السهل متابعة ما يُكتب ويصدر بل واستذكار مجموعات وقصص بعينها لكتّاب بعينهم كما فعلت الأجيال السابقة لنا، ولكن، في عصرنا الحالي ومع الألفية الثالثة؛ فإن المجاميع القصصية التي تصدر في كل عام بالمئات، والقصص القصيرة بالآلاف، ومن النادر أن تحصل مجموعة قصصية على الشهرة كما في الرواية، وأصبحت الشهرة مع غياب الحركة النقدية الجادة والموسّعة تعتمد على منصّات التواصل الاجتماعي بشكل أو بآخر.
وأشارت صاحبة كتاب “بيكاسو كافيه”، إلى أن المجموعات القصصية التي يمكن لها أن تشتهر”خارج نطاق الجوائز”، هي تلك التي يسلّط الأصدقاء أو النقد الضوء عليها، وتلك التي تنضوي بثيمة واحدة، وتكون قصصًا متتاليةً أشبه ما تكون بالرواية منها بالقصة.
وتحدثت “العطعوط” عن جائزة “الملتقى للقصة القصيرة العربية”، والتي تأتي بالتعاون بين الملتقى الثقافي والجامعة الأمريكية في الكويت، ومن خلالها يتم ترجمة المجموعة الفائزة، إلى اللغة الإنجليزية. ولكن، هذه الجائزة التي أفردت مساحة جيدة من الاهتمام بفن القصة، ما تزال نقطةً في بحر بالنسبة إلى الرواية.
من جانبها، ترى القاصة الليبية غالية الذرعاني، أن النقد في عمومه سواء للقصة القصيرة أم للرواية يكاد يكون غائب تمامًا في الساحة الأدبية الليبية، اللهم إلا بعض الاهتمامات من بعض النقاد الجادين هنا وهناك، أما كون المجاميع القصصية لا تجلب الشهرة في حين أن الرواية تحصد الجوائز: أولاً: لا أعتقد بأن هم الكاتب وموضوعه الأول هو الشهرة أو الجوائز أيًا كان المجال الذي يكتب فيه، همُّ الكاتب الليبي هو خلق الكلمة المؤثرة في النفس الإنسانية، والرفع من شأن الأدب الليبي وله حرية اختيار المجال الأدبي الذي يجد فيه نفسه أو يرتاح للكتابة فيه أكثر، والإمكانيات التي يملكها.. شعر، قصة، رواية.
وأكدت صاحبة كتاب “نزف”، أن هناك مبدعين وضعوا بصمتهم المميزة في الفضاء الأدبي العربي في كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا، ولكن، التركيز على الرواية في العصر الحديث هو مجرد هجرة مؤقتة، انتقال من مكان معشوشب إلى آخر، ثم سيعود الحنين إلى المكان الأول، وهكذا دواليك.
في المقابل، ترى القاصة التونسية هيام الفرشيشي أن القصة القصيرة لم تكن فنًا أدبيًا مهملاً حين كان يكتبها أكبر الأدباء في العالم على غرار تولستوي، وتشيخوف، إدغار آلان بو، جي دي موباسان، ارنست ميلر همينغوي، البرتو مورافيا. بل لمعت في تونس والعالم العربي بأسماء أدبية مهمة أمثال، علي الدوعاجي، وحسن نصر، ومحمود تيمور، وزكرياء تامر، وغيرهم، وتأسست نواد مهمة للقصة في النصف الثاني للقرن العشرين في مصر وتونس ساهمت في تكريس فن القصة، وبروز تيارات أدبية جديدة، وصراعات بين القصّ التقليدي والتجريبي، والإقبال على ترجمة القص العالمي، وتنوع الكتاب والتجارب؛ فكانت شاغل النقاد والملاحق الصحفية الثقافية والمجلات الفكرية والأدبية المتخصصة.
وعلى جانب آخر، تتابع الفرشيشي: “في ذلك الوقت لم تتدخل لوبيات المال في الشأن الأدبي، ولم تتشكل بعض دول النفط، ولم تتدخل أرباحها النفطية في نسف وهج القصة، وإعلاء شأن الرواية بإنشاء مسابقات كبرى ترصد لها المبالغ المهمة، وتحقيق الشهرة عربيا ودوليا، وترجمة الأعمال الروائية الفائزة والسيطرة على المشهد الأدبي بما يلاقي هوى لوبيات النفط والمال، التي قسّمت الأدب إلى مركزي وهامشي، فصارت الرواية تحتلّ قمة الأدب وبقيت القصة رهينة المسابقات الصغيرة هنا وهناك”.
وتذهب صاحبة كتاب “المشهد والظل”، إلى أن القصة القصيرة في السنوات الأخيرة تحولت إلى نمط أدبي من درجة ثانية قياسا بالرواية. وتفاقم الوضع ببروز دور نشر كبيرة وراءها ماكينات دعائية ضخمة في مختلف وسائل الإعلام، وارتباطها بشبكة دولية كبيرة من النقاد، تروج للرواية حتى وإن كانت عادية للتأثير على آراء لجان التحكيم، بحيث تصعد بعض الأسماء بمجرد أنها كتبت رواية تم التسويق لها وتضخيم قيمتها الأدبية وخلق قناعة لدى القراء بأنها عملٌ رائعٌ وعالي الجودة، وقد انعكست عليه أضواء صاخبة من هنا وهناك.
وتضيف صاحبة كتاب “أوشام سرية”، في حين بقيت القصة كالشمعة تنزف نورًا في الظلام، تذكرنا بظلالنا وبصورنا التي تأخذ هيئات عديدة بعيدًا عن عالم صناعي بورجوازي صاخب، تصارع كل ما هو صناعي، متشبثةً بروح الحياة، تدعو المؤسسات الثقافية القائمة لإعادة الاعتبار لها، وإعادة الدور الفاعل لنوادي القصة.
تؤمن القاصة المصرية أسماء حسين بأن القصة القصيرة لا تزال نوعًا فنيًا رئيسًا للأدب ولا يزال لها بريقها وجاذبيتها، بينما قيمة القصة الفنية والثقافية قد تعلو على كافة القوالب، وهي جنسٌ أدبيٌ رفيعٌ يفوق الرواية تطورًا وحريةً وتجريبًا. فالقصة تكاد أن تكون أمّ الخيال الحقيقي في الكتابة ومطبخ كل الأمزجة والأذواق، وهي رهان التجريب والحداثة الأول الحقيقي للأدب.
وأضافت: “نوعًا ما؛ قد تعاني القصة القصيرة من بعض القصور في الالتفات لها كمادة فنية مؤخرًا، فلا تجد الاهتمام الذي يليق بتطورها وتنوعها فنيًا، إذ أن ما تستحقه من اهتمام وتناول ودراسة لا يرقى إليه وضعنا الآن”.
وتتأسف صاحبة كتاب “العودة من سيلفيا بلاث”، لعدم تسليط الجوائز كثيرًا من الضوء على فن القصة القصيرة ومجموعاتها، مما يفقدها فرصًا كبيرة في الانتشار الذي قد يحققه صدى الجائزة، ولكن في رأيي؛ أعتقد أن الجوائز ليست مقياسًا لأي شيء، وهي مجرد مكافآت مادية بذائقة محددة تتلخّص في حكامها، أهميتها شكليةٌ ودعائيةٌ بالأساس ثم مادية ثانيًا، لكنها لا تمنح أهميةً حقيقيةً لأي عمل سوى في جانبها الدعائي والترويجي في أثر انتقاءاتها.