24 ديسمبر انبثاق دولة وميلاد أمة
خاص 218
في الرابع والعشرين من ديسمبر 1951 ولدت ليبيا الدولة المستقلة الموحدة بعد عديد المحاولات لإجهاضها من قبل القوى المستعمرة، التي كانت تسعى لاقتسامها واستغلال ثرواتها المدفونة ومساحات أرضها الشاسعة الاستراتيجية.
بعدما عانت ليبيا سنوات من هيمنة الاستعمار الإيطالي البغيض، تلتها أخرى من الحروب الضارية بين قوات الحلفاء والمحور، لا ناقة لليبيا فيها ولا جمل، سوى أنها كانت ميداناً لمعركة تتصارع فيها آلة الحرب الغربية لبسط النفوذ وتوسيع المستعمرات.
في العاشر من مارس عام 1949 اتفقت كلٌّ من بريطانيا وإيطاليا بعد نزاعٍ عنيف، على تَقاسُمِ الأرض الليبية تحت ذريعة ومسمى الوصاية، فكان نتاج ما يعرف بمشروع اتفاق” بيفن سفورزا” ينص على أن تصبح طرابلس تحت الوصاية الإيطالية فيما تكون برقة تحت الوصاية البريطانية، وتضع فرنسا فزان تحت وصايتها، على أن تستمر هذه الوصاية مدة عشر سنوات تُمنح ليبيا في ختامها استقلالها.
في هذه الأثناء كانت مساعي المناضلين الليبيين من أحرارها وشجعانها، تسابقُ الزمن لإفشال هذا الاتفاق وإحباط محاولات تقسيم ليبيا تحت ذريعة الوصاية، وبالفعل أثبت الليبيّون بأنهم قادرون على الخوض في مضامير السياسة واللعب في أروقتها بما يجعلهم نداً لرجال السياسة الغربيين، فحشدوا الدعم وأقنعوا غالبية الدول بقضيتهم وحقهم في الاستقلال كدولة مستقلة موحدة.
في مايو 1949 وافقت اللجنة المختصة التابعة للأمم المتحدة على بنود اتفاق “بيفن سفورزا” وأحالته بدورها إلى الجمعية العامة للتصويت، إلا أن آثار المساعي الليبية تجلت في نتائج هذا التصويت إذ لم يلقَ مشروع قرار الوصاية أصوات كافية من المؤيدين لتمريره، بل على العكس تماماً فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقاً في الحادي والعشرين من نوفمبر من نفس السنة، القرار رقم (289) الذي يقضي بمنح ليبيا استقلالها في زمن لا يتجاوز مطلع يناير عام 1952، وكلفت الجمعية لجنة عمل خاصة لتنفيذ القرار.
في المقابل شكل رجال السياسة والنضال من أحرار ليبيا الذين حملوا قضية الوطن على عاتقهم في عام 1950 جمعية من ستين عضواً من ممثلي الأقاليم الليبية الثلاثة “طرابلس، برقة، فزان” على أن يكون فيها عشرون ممثلا لكل أقليم، وتم اختيار مفتي طرابلس ليكون رئيساً لاجتماعاتها التي كان أولها في الخامس والعشرين من نوفمبر من نفس السنة، تم خلاله مناقشة شكل الدولة المنشودة.
نتج عن الاجتماع الاتفاق على النظام الاتحادي كغطاء عام لشكل الدولة. ورغم عدم موافقة ممثلي إقليم طرابلس حينها، فإنّ الاتفاق تم تمريره لقاء تنازلات الرافضين بغية الوصول إلى حل وعدم عرقلة مسيرة ميلاد ليبيا التي كان ينتظرها الشعب بأكمله بفارغ الصبر.
كلفت اللجنة التاسيسية عقب هذا الغتفاق لجنة لصياغة دستور الدولة ، وعكفت اللجنة فور تكليفها على تجميع دستاير الأنظمة الإتحادية في العالم لدراستها والإستفادة منها بما يتماشى مع ظروف وخصوصيات ليبيا وشعبها ، وانجزت مهتمها بسرعة ودقة وتمكنت من تقديم تقريرها إلى الجمعية التأسسية في سبتمبر 1951 .و في التاسع والعشرين من مارس من نفس السنة أعلنت الجمعية التاسيسية عن الحكومة الإتحادية الليبية المؤقتة لرئاسة محمود المنتصر تباشر أعمالها من طرابلس .
استلمت حكومة المنتصر المؤقتة سلطاتها كاملة في اكتوبر من نفس السنة باستثناء شؤون وزارات المالية والدفاع والخارجية فقد استلمتها في وقت لاحق منتصف ديسمبر 1951.
استقر الحال وبدأت معالم ليبيا المستقلة تظهر شيئاً فشيئأً وتهيأ الليبييون لإستقبال الحدث العظيم ، والذي أطرب مسامعهم وأبهج صدورهم ورفع رؤوسهم في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1951 حينما أعلن الدستور الليبي وأُختير الأمير محمد إدريس المهدي السنوسي ملكاً لليبيا ليصبح أسمها الرسمي ” المملكة الليبية المتحدة” و ليزف الملك شخصياً الخبر رسمياً للجمهور من شرفة قصرالمنار في بنغازي .
اعلان قيام المملكة التي وحدة ليبيا الممزقة وضمت أقاليمها الثلاثة في كيان دولة ذات سيادة ، بعد أن كانت رهينة بين أسنان دول الاستعمار البغيض.
بهذا نفض الليببيون عن أجسادهم غبار الزمن التعيس، وطردوا عن جنابهم كل مظاهر البؤس والذل والإستضعاف، وفتحوا نوافذهم لشمس الحرية والكرامة والنصر، ليسعوا على أرضهم نحوا البناء والتشييد ، فشُمر عن السواعد، وتشابكت الايادي، وتراصت الصفوف، وظهر العمار ، وأكتست الأرض بالخضار،وأتقدت منارات العلم والمعرفة، وسارت ليبيا نحو هدفها المنشود.