الصبر الاستراتيجي الكوبلري
مروان العياصرة
ألجأني الملهم “مارتن كوبلر” إلى اختبار معنى الصبر، حين دعا الليبيين إلى التحلي بروح الصبر “الاستراتيجي” حسب وصفه له، فهو مُلحة من مُلح الحياة، وعلاج لما لا تقدر عليه السياسة ربما، وما لا يفطن إليه الناس الذين لا يعرفون ماذا يفعلون غير أن يصبروا..
مثلا، على الليبيين أن يحتلموا كل قسوة الظروف والأحوال، وأوجاع الحياة، بحجة أن الاحتمال صبرٌ مركّز كما يعرِّفه “توماس كارليل”، أو أن يحاربوا خصومهم.. الفقر والحاجة والمصارف العنيدة، والرواتب المجمدة في الورق الرخيص، والسياسيون الفاسدون والإرهاب الذي يؤلمه الدم في عروق البشر، .. أن يحاربوا بصمت، فأقوى المحاربين هما الوقت والصبر، كما يقول الحكيم “ليو تولستوي”..
ومثلا، على الليبيين أن يكونوا أكثر ذكاءً وبراعة، وحكمة، في التعامل مع واقعهم الحاد، والمؤلم، والقاسي مثل جدران “فزان” أو حجارة قلاع “القصر”.. وهذا له علاقة طيبة جدا بالصبر، فالصبر على الهدف يساوي أكثر من نصف وزن البراعة، بحسب “توماس هنري هكسلي”..
دعوة كوبلر للصبر الاستراتيجي ليست سؤالا ملحاً، وليست إجابة جادة على جملة التحديات، كما أنها ليست مبدأً ولا خبرا، إنها حرية فقط، حرية أن يقول كوبلر ما يشاء، وأن يفكر بما يشاء، تماما كما يفكر الجبان بساقيه، يفكر قليل الحيلة بحيلة الصبر،، ولكي تكون حيلة جيدة ووازنة، يقول إنها “استراتيجية.
تلك هي حقيقة “صبر كوبلر الاستراتيجي”..
أراد أن يبتاع ورود الكونجو بصبر الليبيين، أن يغادر وهو يعلن عن اكتشاف عبقري سمّاه “الصبر الاستراتيجي”، ولست واثقا من هذا تمام الثقة، فقد سرق هذا الاختراع من “باراك أوباما” حين أدلى بخطابه التقليدي الذي يلقيه الرئيس الأميركي أول كل عام عن حال “الاتحاد” داعيا الأميركيين إلى مجابهة التحديات بـ “صبر استراتيجي”.. ففي أميركا حتى الهواء يمكن وصفه بالاستراتيجي، والضحك على باب حانة بعد منتصف الليل يمكن أن يقال عنه إنه ضحك استراتيجي، ووقفة عسكري أميركي يمكن أن تكون وقفة استراتيجية، لأن الدولة كلها استراتيجية..
حتى رئيس أركان الجيش الأميركي، “سابقا” الجنرال “مارتن ديمبسي” استعار المصطلح ذاته مضفياً عليه صرامة العسكري الخبير..
وها هو اليوم من فم مارتن ديمبسي إلى فهم مارتن كوبلر، متحولا من الصرامة إلى “الابتذال”.. حين يُلقى المصطلح في غير مكانه، وعلى خلاف الحاجة إليه..
لا يحتاج الليبيون إلى كوبلر ليلقنهم درسا في الصبر، بل يحتاجون لمن يلقن الساسة دروسا استراتيجية في الإيمان بالإنسان والانتماء للدولة، والوفاء للروح ليبيا الحرة والعصية على الهزيمة..
يعرف الليبيون أن الصبر شجاعة، لكنهم يعرفون أن للصبر حدود حين تخطئ دائما مساعي الرجال عن سبل السلام..