218 تنفرد بنشر مقتطفات من “كتاب الفساد والغضب- الربيع الدامي”
الكتاب الجديد، بمثابة "بحر من الألغام" ومحيط واسع من الأمواج العاتية المتلاطمة وسراب صحراوي
تنفرد 218 بنشر مقتطفات من الكتاب “الفساد والغضب- الربيع الدامي” للكاتبين، الناشط السياسي، الكاتب سليمان البيوضي والدكتور رافع الطبيب، المتخصص بالملف الاقتصادي.
ويحتوي الكتاب الذي سيُوزع قريبا على المكتبات في ليبيا، على معلومات وأحداث عاشتها ليبيا، منذ عقود إلى وصولها للأزمة التي تعيشها، بسبب الانقسام السياسي وشبكة الفساد المعقدة التي ما تزال تنهش ثروات الليبيين.
ويعدّ الكتاب الجديد، بمثابة “بحر من الألغام” ومحيط واسع من الأمواج العاتية المتلاطمة وسراب صحراوي لا نهاية لأفقه، ورماله المتحركة تغرق الجميع. كما يصف نفسه في صفحاته.
وهُنا تنشر لكم 218 حصريًا، مقتطفات من الكتاب، الذي سيكون متوفرا في المكتبات قريبًا:
“إنّ اعتبار ليبيا مملكة موحدة في ديسمبر 1951 لم يأت بشكل سلس، بل خضع لمفاوضات شاقة بين زعامات الأقاليم الثلاث، وبدا إقليم برقه أكثر تماسكا ووحدة من إقليمي فزان وطرابلس المنهكين بالصراعات المحلية والتدافع، دون أن نغفل وجود حركة سياسية واجتماعية في الإقليمين – طرابلسو فزان –، وكان حزب المؤتمر بقيادة بشير السعداوي في مقدمتهم، كحزب وطني يسعى لنيل الاستقلال ، فاتفقت الغايات وتشكلت الدولة الوليدة، وعليه فقد رضخت القبائل لسلطة الملك، وتوحد الليبيون رغبة في قيام دولتهم واستمرارا لحركة مقاومتهم الوطنية التي بدأت منذ عقود، وبالتالي أعلن استقلال الدولة الليبية كدولة ملكية فيدرالية ، تم وضع إطار دستوري وقانوني لإدارة الدولة الوليدة.
للأسف تشكّلت الدولة الليبية دونما وجود رؤية لمعالجة أزمات الصراع الكامن، وهنا لست بمعرض تقييم التاريخ أو الأحداث، بل أسعى لتسليط الضوء عن جذورالأرمة الليبية.
لقد قامت الدولة الليبية الوليدة بهياكلها البنيوية المؤسسية، بيد أنها حافظت على مواريثها وغضبها ، كرماد تحت حطب السلطة ، وقد صدر الدستور الليبي بنصوص يتساوى فيها كل الليبيون أمام القانون، وتجاوز صراع الهوية باعتبار التشكل الجديد الذي تمر إليه ليبيا، وظهر في فترات متقدمة من العهد الملكي الحديث عن الهوية الليبية الجامعة والشخصية الليبية ، ففي الوقت الذي عالجت نصوص دستور المملكة قضايا الصراع على السلطة والتدفقات المالية ، إلا أنه أغفل وضع حل شامل لقضايا الهوية، بالرغم من قربه زمنيا من عهد الحروب المحلية التي اتسمت بالصراع العرقي، وفيما يبدو فقد ترك معالجتها للزمن، لتتحول تلقائيا ضمن مواريث الحركة الاجتماعية الغاضبة.
لا أستحضر من التاريخ شهادات عملية لاندلاع مواجهات بين سلطة الملك والقبائل لأسباب عرقية أو جهوية أو مطلبية، وكل مايمكن حصره كان ضمن الحركة السياسية الجديدة، ببروز الحركات القومية والشيوعية والإسلاماوية في ليبيا، حيث كان الليبيون يتلمسون طريقهم للدخول عمليا في مراحل التقدمية والحداثة والتطور المستدام، بيد أنه استمر في تجاهل الصراعات الاجتماعية الكامنة، وبعد اكتشاف النفط وبدء دخول تدفقاته المالية لمنظومات الاقتصاد الليبي؛ جاء مشروع الوحدة وإعادة صياغة القانون والدستور بشكل وحدوي، لتستحدث منظومة التدفقات المالية الفاسدة، واتساع رقعة الصراع داخل أركان القصر الملكي، فعدم وجود ولي عهد من صلب الملك وطبيعة تشكل النظام حينها؛ خلق فجوة صراع داخل هيكل السلطة الرأسي، ومع تصاعد وتيرة الحركة القومية والمطلبية الليبية لجلاء المستعمر، سقط النظام الملكي مترهلا ومنتفخا بالفساد، وأيد المواطنون في ليبيا الحركة الثورية القاضية بإسقاط النظام الملكي في سبتمبر 1969.
لقد كان البيان الأول للحركة الثورية في 69 ، مملوءا بالخطاب التعبوي للصراعات الكامنة، واستدعاه في نصه بشكل بيني، وخلال عقود من حكم هذه الحركة لعبت على تناقضات تفاصيل بيانها الأول المتجذر في الهياكل الاجتماعي كغضب كامن.
لقد كانت للشعارات القومية الجديدة صدى واسعًا في ليبيا، ومن دون شك فإنها تلقّت الدعم الكامل من القبائل العربية – بشكل خاص – بسبب عروبية هذه الحركة، ومن الإنصاف القول بأنّ الصراعات العرقية كانت خافتة في ذاك الوقت، لكنها موجودة داخل المواريث الاجتماعية ، ولم يتم التعامل معها كأزمة – كامنة – ،وللأسف فإنه عبر مراحل متعددة من حكم النظام الجماهيري – العروبي – تعمقت جذور الصراع البنيوي، مضافا له ما استحدث من حركات قومية – كالأمازيغية – مستمدة اندفاعها من جوارها الإقليمي، ولكوني عربي الأصل وليبي الهوى والهوية ، سأتجاوز الخوض بشكل أعمق احتراما للالتصاق الاجتماعي الذي أعيش فيه!إنّ محاولات تعريب ليبيا بنمط واحد خلال عقود طويلة تسبّب في زيادة الغضب الاجتماعي الكامن لدى كثير من مكونات المجتمع الليبي، بما فيها بعض التقسيمات العربية نفسها – البدو والحضر – ، وعليه فقد انتقلت المواريث والثقافات منتفخة بالعذابات والشعور بالقهر والظلم، ويمكن تصور طبيعة هذا التشكل العنيف، وبدا واضحا ردود فعله عقب الثورة المسلحة”.