“218” تكشف خفايا قضية نهب ميزانية لتدريب طيارين ليبيين
أجرت “218” تحقيقًا صحفيًا حول قضية منظورة أمام المحكمة العليا في بريطانيا، ضد شركة محلية في يورك، حصلت على عقد بقيمة 18 مليون يورو، من شركة مملوكة لليبيا، لتدريب طيارين، حيث تبيّن في خلفيات الموضوع عملية استيلاء ونهب للميزانية، التي كانت مقرّرة لتدريب الطيارين الليبيين في شراء عقارات في مدينة اسطنبول التركية.
وبحسب مصدر خاص؛ فإن عملية التعاقد تمت في ديسمبر 2015، حين قام الرئيس التنفيذي لهيئة الطيران الليبية، آنذاك، جميل شوبانة؛ بالتعاقد مع شركة Prime Education لتدريب ما يصل إلى 250 طيارًا وفنيًا ومتخصصًا في الطيران المدني، بقيمة إجمالية بلغت 18 مليون يورو، تم تحويلها لاحقًا بين شهري فبراير ومايو من عام 2016؛ وذلك لتغطية نفقات التدريب ودفع أجور الطلاب، خلال فترة التدريب المهني في أوروبا.
وضمن التحقيق الذي أجراه فريق “218”؛ تبيّن أن الشركة المذكورة في التعاقد كانت وهمية ولا أساس لها من الصحة، إذ إن من خلال المعلومات التي حصلنا عليها فإن مدير الشركة المذكورة والذي قام بالتعاقد، ويدعى توفيق سيركجي، قام بمساعدة زوجته في المساهمة بالتلاعب في الأموال الليبية في الاستثمارات في الأراضي والعقارات في اسطنبول، عوضًا عن تدريب طيارين ليبيين ومديرين تنفيذيين للطيران المدني الليبي.
رجل الأعمال المذكور كتب عنه موقع أفريكا انتجلنس في تقرير لها مشيرا أن سيركجي وهو تركي مقيم في الخارج ويحمل الجنسية البريطانية أيضا يمتلك شركة التدريب ومقرها في مدينة يورك في بريطانيا تعاقد مع الحكومة الليبية على تدريب الطيارين بعقد قيمته 18 مليون يورو.
وبحسب الاتفاقية؛ تدير مدرسة الطيران الفرنسية EACS أعمال الطائرات المملوكة للدولة وحصلت في 5 فبراير على حكم من المحكمة البريطانية العليا، يتم بموجبه استدعاء الشركة التركية التابعة لشركة التدريب برايم ايديكيشن (PE Turkey)؛ من أجل استرداد 15 مليون يورو، وحددت المحكمة البريطانية العليا نافذة موعد المحاكمة بين 1 أكتوبر و21 ديسمبر 2021 للنظر في القضية المرفوعة ضد رؤساء الشركة الفرعية، توفيق سيركجي وزوجته سيرا جين سيركجي، البريطانية الجنسية.
موقع الشركة الرسمي؛ وضع عنوانًا لها في اسطنبول، ومن التحقيق والتحقق؛ تبيّن أن العنوان في منطقة بعيدة وليس مقرًا للشركة، وكان عبارة عن مبنى سكني متواضع في منطقة سلطان غازي، غرب اسطنبول، وهذه النقطة أثارت فريق التحقيق الصحفي أكثر ما جعله يتأكد في عين المكان ويعاين المنطقة، كما تمت مراجعة سجل الضرائب التركي فوجد عنوانًا آخر للشركة، وعند التحقق منه؛ تبيّن أنه لمنطقة مطاعم في مجمع الإسكان الفاخر باتي شهير، في منطقة غوزتبي، التابعة لبلدية باجلر، غرب اسطنبول.
كما تابع التحقيق، أيضًا، أسباب ورود اسم زوجة “سيركجي” في التحقيقات؛ فتبيّن ضلوعها فعلاً في القضية، حيث إن شركة “برايم ايديكيشن” لم تنفذ جانبها من العقد بحسب ادعاءات هيئة الطيران، الليبية باستثناء 445,000 يورو التي تم استخدامها بالفعل في خدمات مدرسة الطيران الفرنسية المذكورة ودفع 1,3 مليون يورو لكل يوم مدفوعة للطيارين المتدربين الذين أخذوا هذه الفصول.
وبيّن التحقيق أن “سيركجي” استغل الأموال لدفع “448000 جنيه إسترليني في شكل قروض بدون فوائد إلى York Property Suites، وهي هيكل عقاري بريطاني يتحكم فيه مع زوجته، وحوالي 14 مليون يورو لشركة PE Turkey ، وهي هيكل يمتلك بشكل مشترك مع شريك تركي، برهان كونوغلو”. واستخدمت الأموال لشراء قطعتين من الأرض في منطقة باغجلار، في اسطنبول، حيث تم تشييد مبانٍ عليها بتكلفة حوالي 11 مليون يورو.
ومع ذلك؛ قال توفيق سيركجي للمحكمة البريطانية العليا “إن الاستثمارات العقارية تمت بموافقة شفوية من “شوبانة”، لملء الوقت المستغرق لحل المشكلات الإدارية في مناهج التدريب”.
في يوليو 2016؛ وقّع كل من “سيركجي” و”شوبانة” تعديلاً على العقد الأصلي في إسطنبول، ينصّ على أن Prime Education ستحتفظ بجميع المبالغ المدفوعة بالفعل، كتعويض في حالة انتهاك مدرسة الطيران الفرنسية EACS للعقد.
وبالنسبة لـ”شوبانة” وظروف تعيينه؛ فقد تم في أكتوبر 2015 تعيينه من قبل حكومة الإنقاذ الوطني، برئاسة خليفة الغويل، محلّ المدير التنفيذي السابق، شاكر عون، وبعد عام له في المنصب قامت حكومة “الوفاق”، برئاسة فائز السراج، بإقالة “شوبانة” وتكليف خليل القمودي للرئاسة التنفيذية للهيئة، بيد أن هذه العقود، عند مراجعتها، تبيّن وجود حالة من التلاعب في المال العام؛ ممّا جعل المدير الجديد يرفع القضية إلى القضاء لحلّ الخلاف.
بالعودة إلى تقرير افريكا انتلجنس؛ فقد اتضح أن الأموال استثمرت في شراء أرض بالمنطقة لبناء مشروع إسكاني، علمًا أن ملكية باتي شهير، بحسب الموقع الرسمي، هي استثمار مشترك لشركة العقارات الشهيرة “ايجي يبي” التركية، بالشراكة مع الدولة التركية مالكة الأرض والممثلة في “أملاك كونت”، أكبر شركات التطوير العقاري في تركيا، والتابعة لإدارة تنمية الإسكان التركية TOKI.
وكان المدعو توفيق سيركجي قد تحدّث للصحافة عام 2014 لموقع الفنار الاعلامي، أي قبل عام من توقيعه الاتفاقية في عهد حكومة “الغويل”، وكان المقال في الصحيفة عن برنامج المنح الليبية، والذي يعتريه الكثير من الفوضى، آنذاك، فيما يتعلق بالمنح والتأمين الصحي وصعوبة استكمال دراسة عدد كبير من الطلبة، حيث قال “سيركجي”، الذي كان يشغل منصب المدير التجاري لبرنامج “برايم ايديكيشن”، إنه لا توجد عملية اختيار مناسب للطلاب في ليبيا، منتقدًا آلية اختيار المقبولين لمنح الدراسة، معتبرًا إياهم بلا مهارات أساسية، وأن مستوى لغتهم الإنجليزية متدنٍّ، وأن اختيارهم يأتي عن طريق الوساطة، وأشار بوضوح إلى أن عددًا من المشاركين في منح الدراسية لا يهتمون بالدراسة ويهمهم، فقط، انتهاء مدة البرنامج التعليمي في الخارج.
ممّا يظهر أن الشخص المذكور كان يحوم حول الأموال الليبية، منذ ذلك الحين، حيث كان مسؤولاً عن تقديم التأشيرات لليبيين الراغبين في الدراسة في بريطانيا في شركة الاستشارات “برايم ايديكيشن” ومقرها يورك، والقضية، الآن، معروضة أمام القضاء البريطاني للنظر فيها.