مقالات مختارة
2020… طريق النهضة وطريق الهاوية
نشر في: 30/12/2019 - 15:03
غسان شربل
في الأيام الأخيرة من السنة يحق للمواطن أن يحاسب نفسه. أين أخطأ وأين أصاب؟ أين ربح وأين خسر؟ وهل أحسن التعامل مع الوقت؟ وهل اغتنم الفرص التي أتيحت؟ وهل حد من الخسائر حين كان لا بد منها؟ مثل هذه الأسئلة تساعد المواطن الذي سيبحر في سنة جديدة آملاً أن تحمل إليه ما هو أفضل من السنة المتوارية.
وفي الأيام نفسها من حق المواطن أن يسأل عن بلاده وما إذا كانت في آخر السنة في وضع أفضل مما كانت في بدايتها. من حقه أن يسأل إن كانت حكومته عملت على تحقيق الخطط التي وعدت بها وعن الطريقة التي تعاملت بها مع الوقت والمال العام ومصالح المواطنين والاستعداد للمستقبل.
لقد انقضى ذلك الزمن الذي كان محظوراً فيه على المواطن العادي أن يسأل. انتهى عصر الصمت المطبق واعتبار كل سؤال تهمة تستحق العقاب. وانتهى أيضاً عصر الأرقام المفبركة في لجان الحزب ومطابخ الأمن. هذا عالم آخر لم تعد الرواية الرسمية قادرة على إدارته بمعزل عن الحقائق والأرقام. إننا في عالم آخر تحكمه قواعد أخرى. انتهى عهد الأسرار والمحظورات وتغطية الارتكابات بذريعة المصلحة الوطنية العليا.
تعرف الحكومات أن مواطناً جديداً قد ولد. مواطن شاب متطلع ومتطلب. مواطن يريد ما يريده أي شاب آخر من سكان «القرية الكونية». شاب يتدفق العالم إلى هاتفه حاملاً الأخبار والتعليقات والصور وآخر أنباء الارتكابات والإنجازات. ولأنه يعرف، يريد أن يعرف أكثر. يطالب بالشفافية والأرقام ويمتحن الوسائل والأهداف. مواطن لا يستقي الحقائق من النوافذ القديمة، بل من هذا العالم السريع والمكشوف والمتوتر. مواطن صار يملك عبر «تويتر» صحيفته الشخصية، وهي تعطيه فرصة فورية للتشجيع أو الاحتجاج.
لا مبرر للخوف من الجيل الجديد، لأنه لا يشبهنا. ليس شرطاً على الإطلاق أن يحب الموسيقى التي نحب، أو أن يقرأ الكتّاب الذين أضاؤوا طريقنا، أو أن يرجع إلى القواميس التي كنا نحتكم إليها. لكل زمان قواميسه وكتّابه ومشاعله. لكل زمان استحقاقاته وأفكاره وأساليبه.
نكتب عن الشباب، لأنهم الطاقة الهائلة التي تحتشد في مجتمعاتنا. طاقة لا بد من إشراكها في ورشة التنمية والتقدم والاستقرار والازدهار كي لا ترتد إلى اليأس والفشل فتدمر الحاضر وتلحقه بالماضي. ولا يمكن إغراء هؤلاء إلا بإعادة إطلاق النهضة وحلم اللحاق بالعالم للمشاركة في ورشة التقدم المفتوحة بوتائر غير مسبوقة. تبدأ النهضة بجسور الثقة وببرنامج طموح يعد بتعليم عصري وفرص عمل واستثمار ومجتمع رحب يتسع لممارسة المواطن إنسانيته بعيداً عن قوالب الخوف والتقوقع.
قبل سنوات كنا نكتب عن سنغافورة. عن بلد فقير نجح بقيادة رئيس الوزراء لي كوان يو في تحقيق قفزات مذهلة جعلته نموذجاً في بناء التقدم على قاعدة الإفادة من الطاقات البشرية والتخطيط والتعليم العصري ومكافحة الفساد. وقبل سنوات كنا نكتب عن النجاح الهائل الذي حققته الصين بإخراج مئات ملايين المواطنين من الفقر، والتقدم إلى موقع الاقتصاد الثاني في العالم. وقصة النجاح هذه بدأت حين أدرك دينغ هسياو بينغ أنه لا بد من فتح النافذة، وأن وصفات «الربان العظيم» ماو تسي تونغ لم تعد صالحة للحاق بالعصر. وما كانت الصين لتحقق هذه القفزة المذهلة لو اكتفت بترديد شعار «الإمبريالية نمر من ورق» أو «الموت لأميركا». أدركت أن المفتاح هو التقدم العلمي والتكنولوجي وتحسين شروط حياة الناس، وسلكت هذه الطريق.
يصعب أن تستقبل السنة الجديدة بمقال متفائل إذا كنت صحافياً من مواليد الشرق الأوسط. ففي هذا الجزء من العالم يعتبر إهدار الوقت والدم عملة رائجة. أجزاء واسعة من المنطقة لا تزال غارقة في حروب الماضي. دول كثيرة لا تزال أسيرة النزاعات العتيقة والأفكار الهرمة. مساحات واسعة لا تزال تعيش خارج فكرة الدولة الطبيعية والعصرية. الدولة التي تسهر وتخطط عبر مؤسسات تستحق التسمية. الدولة المنهمكة بالتنمية، وبناء مدرسة تطلق قدرات التلامذة، وجامعة تربط طلابها بالعصر واحتياجات سوق العمل. دولة تخطط وتنفذ وتصحح وتدير المال العام بنزاهة وتدير ثروة الاستقرار بحصافة وثروة الوقت بإدراك عميق لأهميته.
أكتب عن الشباب لأنني سمعت مشاعرهم في بغداد وبيروت وصنعاء والخرطوم والجزائر وعواصم أخرى. آلمتني رنة اليأس في أحاديثهم وشعورهم أن أبواب المستقبل موصدة. وأكتب لأنني التقيت شباناً من سوريا والعراق وليبيا والجزائر ألقوا بأنفسهم في «قوارب الموت» للتعلق بشبر من التراب الأوروبي. ليست بسيطة على الإطلاق المشاهد الوافدة من ليبيا. ضاعت سنوات من عمر البلاد في عهد «ملك ملوك أفريقيا» ثم ضاعت سنوات جديدة في عهد الميليشيات والمغامرات والتدخلات. وليس بسيطاً أيضاً أن ينزلق العراق إلى شفير حرب أهلية كلما حاول البحث عن رئيس للوزراء. وليس بسيطاً على الإطلاق أن تتسبب السياسات الرعناء والفاشلة والكيدية في دفع لبنان إلى الفقر والإفلاس وتبديد ما بقي من معاني شرفة عربية، كان اسمها لبنان.
اليأس العربي ليس قدراً. والانتظار ليس أفضل مستشار. وللمرة الأولى منذ وقت غير قصير لدينا نموذج عربي يستحق التوقف عنده. هذا ما يلمسه أي زائر للمملكة العربية السعودية. تطالعه سعودية جديدة واثقة ومنفتحة تضج بأحلام شبانها وشاباتها. ورشة مفتوحة على مدار الليل والنهار تعد السعوديين بمستقبل أفضل. لقد استمع الأمير محمد بن سلمان إلى ما يدور في عقول وأفئدة الجيل الشاب، فولدت «رؤية 2030» برنامج نهضة وتقدم وأمل تتسابق الطاقات الشابة للانخراط فيه. لا هدر للمال العام، ولا هدر لأعمار المواطنين. تعليم وعمل وتكنولوجيا وسياحة واستثمار وازدهار واستقرار.
فلتكن السنة الجديدة سنة الاستماع إلى الشباب على امتداد العالم العربي. من دون الاستماع إليهم سنبقى أسرى التخلف والجمود والحروب البائسة والطموحات المفخخة ومصانع الأرامل والأيتام. ليس ضرورياً نسخ التجارب، فلكل بلد خصوصياته. معركة الالتحاق بالعصر والتقدم هي وحدها «أم المعارك» والامتناع عن خوضها يعني الإصرار على السفر إلى الماضي والانتقال من هاوية إلى أخرى.
وفي الأيام نفسها من حق المواطن أن يسأل عن بلاده وما إذا كانت في آخر السنة في وضع أفضل مما كانت في بدايتها. من حقه أن يسأل إن كانت حكومته عملت على تحقيق الخطط التي وعدت بها وعن الطريقة التي تعاملت بها مع الوقت والمال العام ومصالح المواطنين والاستعداد للمستقبل.
لقد انقضى ذلك الزمن الذي كان محظوراً فيه على المواطن العادي أن يسأل. انتهى عصر الصمت المطبق واعتبار كل سؤال تهمة تستحق العقاب. وانتهى أيضاً عصر الأرقام المفبركة في لجان الحزب ومطابخ الأمن. هذا عالم آخر لم تعد الرواية الرسمية قادرة على إدارته بمعزل عن الحقائق والأرقام. إننا في عالم آخر تحكمه قواعد أخرى. انتهى عهد الأسرار والمحظورات وتغطية الارتكابات بذريعة المصلحة الوطنية العليا.
تعرف الحكومات أن مواطناً جديداً قد ولد. مواطن شاب متطلع ومتطلب. مواطن يريد ما يريده أي شاب آخر من سكان «القرية الكونية». شاب يتدفق العالم إلى هاتفه حاملاً الأخبار والتعليقات والصور وآخر أنباء الارتكابات والإنجازات. ولأنه يعرف، يريد أن يعرف أكثر. يطالب بالشفافية والأرقام ويمتحن الوسائل والأهداف. مواطن لا يستقي الحقائق من النوافذ القديمة، بل من هذا العالم السريع والمكشوف والمتوتر. مواطن صار يملك عبر «تويتر» صحيفته الشخصية، وهي تعطيه فرصة فورية للتشجيع أو الاحتجاج.
لا مبرر للخوف من الجيل الجديد، لأنه لا يشبهنا. ليس شرطاً على الإطلاق أن يحب الموسيقى التي نحب، أو أن يقرأ الكتّاب الذين أضاؤوا طريقنا، أو أن يرجع إلى القواميس التي كنا نحتكم إليها. لكل زمان قواميسه وكتّابه ومشاعله. لكل زمان استحقاقاته وأفكاره وأساليبه.
نكتب عن الشباب، لأنهم الطاقة الهائلة التي تحتشد في مجتمعاتنا. طاقة لا بد من إشراكها في ورشة التنمية والتقدم والاستقرار والازدهار كي لا ترتد إلى اليأس والفشل فتدمر الحاضر وتلحقه بالماضي. ولا يمكن إغراء هؤلاء إلا بإعادة إطلاق النهضة وحلم اللحاق بالعالم للمشاركة في ورشة التقدم المفتوحة بوتائر غير مسبوقة. تبدأ النهضة بجسور الثقة وببرنامج طموح يعد بتعليم عصري وفرص عمل واستثمار ومجتمع رحب يتسع لممارسة المواطن إنسانيته بعيداً عن قوالب الخوف والتقوقع.
قبل سنوات كنا نكتب عن سنغافورة. عن بلد فقير نجح بقيادة رئيس الوزراء لي كوان يو في تحقيق قفزات مذهلة جعلته نموذجاً في بناء التقدم على قاعدة الإفادة من الطاقات البشرية والتخطيط والتعليم العصري ومكافحة الفساد. وقبل سنوات كنا نكتب عن النجاح الهائل الذي حققته الصين بإخراج مئات ملايين المواطنين من الفقر، والتقدم إلى موقع الاقتصاد الثاني في العالم. وقصة النجاح هذه بدأت حين أدرك دينغ هسياو بينغ أنه لا بد من فتح النافذة، وأن وصفات «الربان العظيم» ماو تسي تونغ لم تعد صالحة للحاق بالعصر. وما كانت الصين لتحقق هذه القفزة المذهلة لو اكتفت بترديد شعار «الإمبريالية نمر من ورق» أو «الموت لأميركا». أدركت أن المفتاح هو التقدم العلمي والتكنولوجي وتحسين شروط حياة الناس، وسلكت هذه الطريق.
يصعب أن تستقبل السنة الجديدة بمقال متفائل إذا كنت صحافياً من مواليد الشرق الأوسط. ففي هذا الجزء من العالم يعتبر إهدار الوقت والدم عملة رائجة. أجزاء واسعة من المنطقة لا تزال غارقة في حروب الماضي. دول كثيرة لا تزال أسيرة النزاعات العتيقة والأفكار الهرمة. مساحات واسعة لا تزال تعيش خارج فكرة الدولة الطبيعية والعصرية. الدولة التي تسهر وتخطط عبر مؤسسات تستحق التسمية. الدولة المنهمكة بالتنمية، وبناء مدرسة تطلق قدرات التلامذة، وجامعة تربط طلابها بالعصر واحتياجات سوق العمل. دولة تخطط وتنفذ وتصحح وتدير المال العام بنزاهة وتدير ثروة الاستقرار بحصافة وثروة الوقت بإدراك عميق لأهميته.
أكتب عن الشباب لأنني سمعت مشاعرهم في بغداد وبيروت وصنعاء والخرطوم والجزائر وعواصم أخرى. آلمتني رنة اليأس في أحاديثهم وشعورهم أن أبواب المستقبل موصدة. وأكتب لأنني التقيت شباناً من سوريا والعراق وليبيا والجزائر ألقوا بأنفسهم في «قوارب الموت» للتعلق بشبر من التراب الأوروبي. ليست بسيطة على الإطلاق المشاهد الوافدة من ليبيا. ضاعت سنوات من عمر البلاد في عهد «ملك ملوك أفريقيا» ثم ضاعت سنوات جديدة في عهد الميليشيات والمغامرات والتدخلات. وليس بسيطاً أيضاً أن ينزلق العراق إلى شفير حرب أهلية كلما حاول البحث عن رئيس للوزراء. وليس بسيطاً على الإطلاق أن تتسبب السياسات الرعناء والفاشلة والكيدية في دفع لبنان إلى الفقر والإفلاس وتبديد ما بقي من معاني شرفة عربية، كان اسمها لبنان.
اليأس العربي ليس قدراً. والانتظار ليس أفضل مستشار. وللمرة الأولى منذ وقت غير قصير لدينا نموذج عربي يستحق التوقف عنده. هذا ما يلمسه أي زائر للمملكة العربية السعودية. تطالعه سعودية جديدة واثقة ومنفتحة تضج بأحلام شبانها وشاباتها. ورشة مفتوحة على مدار الليل والنهار تعد السعوديين بمستقبل أفضل. لقد استمع الأمير محمد بن سلمان إلى ما يدور في عقول وأفئدة الجيل الشاب، فولدت «رؤية 2030» برنامج نهضة وتقدم وأمل تتسابق الطاقات الشابة للانخراط فيه. لا هدر للمال العام، ولا هدر لأعمار المواطنين. تعليم وعمل وتكنولوجيا وسياحة واستثمار وازدهار واستقرار.
فلتكن السنة الجديدة سنة الاستماع إلى الشباب على امتداد العالم العربي. من دون الاستماع إليهم سنبقى أسرى التخلف والجمود والحروب البائسة والطموحات المفخخة ومصانع الأرامل والأيتام. ليس ضرورياً نسخ التجارب، فلكل بلد خصوصياته. معركة الالتحاق بالعصر والتقدم هي وحدها «أم المعارك» والامتناع عن خوضها يعني الإصرار على السفر إلى الماضي والانتقال من هاوية إلى أخرى.