“يحساب روحه عايش في سويسرا”
عصام جادالله
لم يعد الاستهتار وإفساد الممتلكات العامة للدولة شيء يخفى على أحد، في ظل فوضى أخلاقية عارمة تعج بها المدن الليبية للأسف، بالإضافة إلى عدم وجود رقابة حقيقية على المخالفين وتطبيق العقوبات المصوغة بالقانون عليهم، هذا الضعف في تطبيق القوانين جعل الكثيرين يخالفون ولا يتلقون مخالفات، ومع استمرار الإفلات من العقاب نمت ثقافة اللامبالاة، وازدادت في ظل انعدام الرادع، فأنتجت ثقافة الفوضى التي نراها حالياً في شوارع مدننا الكبرى.
من هنا تبدأ قصص كثيرة تحدث في طرقاتنا بسبب النتاج اللاخلاقي لبعض السائقين واسلوبهم في القياده المنتشر في وقتنا الحالي داخل شوراعنا الرئيسية، فلا تستغرب حين تعلم بأن بعض الذين يعيشون حياتهم بيننا اصبحت لا تعنيهم كلمة “احترام” حركة السير ولا يبالون بالالتزام بالقواعد المرورية.
هؤلاء جعلوا من تجاوزاتهم قوانين صاغوها لحياتهم اليومية، فهم من نشروا أساليبهم الخاطئة حتى أصبحت ثقافة منتشرة مثل استخدام الأرصفة كمواقف للسيارات دون أي مرعاة للمواطنين بمختلف أعمارهم واختلافاتهم ما بين ذوي الإعاقة وغيرهم، وهم أنفسهم من جعلوا السير بالاتجاه العكسي للخروج من الازدحام دلالة على كلمة “صياعة سواقة” كما يسمونها والتي يفتخرون بها حسب عقليتهم ووجهة نظرهم ناهيك عن السرعه الزائدة والمضايقات والاجتيازات على الطرق السريعة والساحلية، وغيره من الممارسات السلبية التي لا تعد ولاتحصى، وللأسف من ناحية أخرى لا يختلف وضع بعض سائقي المركبات التابعة للجهات الأمنية والعسكرية عن وضع من سبق ذكرهم، فثقافة السوء تسود عندما لا تجد عقولاً ترشدها وقوانين تردعها.
نستنتج من كل ما ذكرناه حقيقه سادت لدى البعض ووصلنا إليها بسبب هؤلاء “البعض” وهي “الفوضى المجتمعية” فعندما تجد أشخاصا يتعاملون مع أدبية المرور وغيرها من البديهيات في عالم القيادة والتي تعودنا عليها في سنوات مضت، أي وقت سلطة القانون، على أنها نشاز ومن يطبقها بنظرهم مختل وغير طبيعي يظهر لنا جلياً مدى الفكر المتدني الذي وصل إليه بعض شركائنا في الوطن، وحين تستمع لتعقيبهم على من يطبقون القواعد المروية ويتبعون إجراءات السلامة ويمر على مسامعك تعليق مثل “هذا يحساب روحه عايش في سويسرا” عندما تستمع لهذه الجملة تعلم جيداً بأن هؤلاء هم من يظنون أنفسهم يعيشون خارج حسابات الزمن ولا يدركون كيف بإمكانهم أن يعادلوا ميزانهم ما بين تطبيق القانون والاحترام والعمل الحسن.
ربما حان الوقت الآن أكثر مما سبق إلى ضرورة إقامة حملات توعوية إرشادية حول مفهوم احترام قواعد القيادة للارتقاء بمُدننا القابعة شوارعها في فوضى عارمة، هذه الحملات ستكون رافدا مساعدا للجهات المسؤولة والتي تقلص دورها مؤخراً بسبب أوضاع البلاد المتذبذبة خاصة من الناحية الأمنية. وتطبيق القوانين في المدن الكبرى بصرامه يحتاج لأجهزة أمنية رقابية قوية تنفذ ولكن هذا يظل صعب بوجود تشكيلات ما زالت تحمل سلاحها خارج المنظومة الأمنية للدولة.
بعيداً عن الحملات الإرشادية ودور الأجهزة الأمنية يبقى لكل منا دوره في أن يرتقي بنفسه حتى يساهم بارتقاء أخلاق مجتمعه بالكامل، وعندما نصل لمرحلة متقدمة من ذلك لن يكون القانون إلا لضبط سير الحياة وتنظيمها، وكفالة حقك في حالة الضرر، والتغيير ليس صعباً، فإذا توقفنا عند نقطة (الأخلاق) وانطلقاً منها سنجد الحلول أمامنا كثيرة وواضحة ويمكن تطبيقها من البداية انطلاقاً من تشغيلك للسيارة وصولاً إلى خروجك بها على الطريق العام، وقيادتها بالتزام نحو قضاء أشغالك وتذكر دائماً وأنت على الطريق، بأن احترام المارة ورجال المرور وكافة العلامات الإرشادية وغيرها سيسهم في تغيير طريقة وأسلوب حياة مجتمع بأكمله فأنت الضابط على نفسك ومن بعدك يأتي القانون.