وهم الجماهيرية
218TV | خاص
الشعب العربي الليبي يبشر شعوب الأرض بانبلاج فجر عصر الجماهير، هكذا بدأت سنوات من الفوضى الشعبوية التي أوهمت الليبيين بامتلاكهم السلطة والثروة والسلاح.
بدأت القصة تدريجياً من إلغاء دستور المملكة بإعلان دستوري قصير صدر في 11 سبتمبر 1969، ليأتي بعدها خطاب “النقاط الخمس”، الذي رسخ مصطلح الزحف في الثقافة الليبية، الزحف على الأخضر واليابس الذي لم يتوقف حتى اليوم، لينهي القذافي هوجته في الثاني من مارس 1977 بإعلان ما أسماها “سلطة الشعب”.
امّحت ليبيا من ذاكرة العالم لحظتها لتتحول إلى “الجماهيرية”، الدولة التي صار اسمها مثار سخرية من زعماء الجوار المناهضين للقذافي، الاسم الذي تكون من خمس كلمات ” الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية” أضاف إليها السادسة عام 1986 لتصبح “العظمى”.
لم يتوقف تعاظم الوهم “الجماهيري” لينتهي الجيش الليبي في الحروب ويقصم ظهره بعد محاولة انقلاب “93”، فالوهم المصدر للعامة أن الشعب “المسلح” قادر على حماية دولته، لكن الحقيقة أن السلاح والقوة نزعت من الجيش لتسلم إلى كتائب أمنية شاهد الليبيون غرضها عام 2011 عندما تعرضوا لوابل رصاصها وسقطت على رؤوسهم قذائفها وصواريخها، وعندما قاربت على الرحيل أهديت إليهم مخازنها ليتحاربوا فيما بينهم.
فكرة “الجماهيرية” كما صاحبها كانت دائمة التقلب، فالجماهيرية العربية صارت ذات توجه أفريقي بعد صراعات “العقيد” غير المنتهية من أجل وحدة تخيلها كما يريد، أما الاشتراكية فطبقت تارة بشكل سوفييتي، ليمنع عندها حتى “البقالات”، وتقف الطوابير أمام الأسواق العامة، ثم تعود الجماهيرية الاشتراكية ذاتها وتفتح الأبواب مشرعة نحو الغرب بعد عقد من العقوبات المفروضة بسبب مغامرات “القائد” غير المحسوبة.
انتهت سلطة الشعب، وعادت “دولة ليبيا” بلا نظام يحددها، فلا هي عادت مملكة ولا أصبحت جمهورية، وكأن الجمهوريات غير مكتوب لها البقاء على الأرض الليبية أول فكرة في بداية القرن العشرين، ليبحث الليبيون حقيقة عن دستور ينظم حكمهم مثل باقي الدول لا يعانون حينه من فوضى الحروب ولا “وهم الجماهير”.